[tr][td dir="rtl" class="AricleTitleStyle" style="padding-top:20px; padding-bottom:10px" align="Center"]الإسلام دين العدالة والسماحة والرحمة
[/td]
[/tr]
[tr]
[td class="AricleContent" style="padding-top:10px;"]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد صلى الله
عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.
الأستاذ الدكتور/ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف ـ حفظه الله ـ رئيس
مجمع البحوث الإسلامية ـ رئيس المؤتمر
أصحاب المعالي والسماحة والفضيلة
أيها الإخوة الأكارم:
أحييكم تحية من عند الله مباركة طيبة، "تحية من المسجد الأقصى المبارك الذي
بارك الله حوله، تحية من أرض فلسطين، أرض الأنبياء، أرض البطولات، أرض
الشهداء، وبهذه المناسبة فإنني أنقل إليك تحيات أشقائكم المرابطين في بيت
المقدس وأكناف بيت المقدس، الذين يتعرضون للحصار والقتل والتشريد، كما أنقل
إليكم تحيات أخيكم الرئيس/ ياسر عرفات المحاصر في مقره برام الله معلنين
أننا شعب واحد، وجزء من أمة واحدة، مثنين على مواقفكم الداعمة للشعب
الفلسطيني المرابط، ووقفتكم المشرفة معه، حيث كان لهذه الوقفة الكريمة عظيم
الأثر في صمود شعبنا المرابط، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد:
إنه لشرف لي أن أحضر هذا المؤتمر العتيد الذي يعقد في أرض الكنانة بعنوان
"هذا هو الإسلام" للرد على محاولات تشويه الإسلام، والعمل على إظهار سماحة
الإسلام وعدالته، والوجه المشرق لهذه الرسالة السماوية العظيمة، حيث سيتولى
العلماء الأجلاء، والأساتذة الأفاضل الحديث عن ذلك من خلال بعض الموضوعات
المطروحة وسأتحدث إن شاء الله حول موضوع (الإسلام دين العدالة والسماحة
والرحمة).
ولأهمية العدل في الإسلام وردت مادة (العدل) في القرآن الكريم (28) مرة،
وردت كلمة (القسط) المرادفة لها (25) مرة.
وللحث على العدل قال الله تعالى:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء
وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (سورة
النحل، الآية: 90)
وقال تعالى:
{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى
الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ
اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (سورة الحجرات، الآية: 9)
والإقساط هو العدل، والمقسطون هم العادلون، وقد أمر الله بالعدل في الأحكام كما أمر به في الأقوال، يقول تعالى:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ
الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن
تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ
اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } (سورة النساء، الآية: 58)
وقال تعالى:
{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ
إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ
الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ
وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ } (سورة الأنعام، الآية: 152)
كما ورد في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كثير من الأحاديث تحث على العدل وتشجع عليه وتدعو إليه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"
أخرجه مسلم.
وكانت البشرية قبل بزوغ فجر الإسلام تعرف العدوان أكثر مما تعرف الحق،
وتحترم القوة أكثر مما تحترم الحرمة، والإنسانية في ظلمات بعضها فوق بعض،
يفتك القوي بالضعيف، ويأكل القادر حقوق العاجز، ومع ذلك عرف العرب في
جاهليتهم حلف الفضول ..
أن ينصروا المظلوم ويقفوا معه حتى يأخذ حقه
من الظالم، وذلك الحلف الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "لو دعين
إليه في الإسلام لأجبته" أخرجه مسلم في صحيحه.
وجاءت رسالة الإسلام، رسالة العدل والمساواة، حيث أشرقت الأرض بنور ربها وارتفعت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع:
"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" أخرجه مسلم في صحيحه.
ومن قبل ذلك كله كان المثل الرائع على عهد النبوة لتطبيق العدل دون أن يميل مع القربى، أو يحيف مع الشنآن، ونضرب لذلك مثالين:
أولا: عندما جاء أسامة بن زيد يشفع لمخزومية سرقت .. فكانت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم نوراً يهدي من بعده:
"إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا
سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن
فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" متفق عليه.
ثانيا: كان ذلك عندما تواطأ بعض المنافقين على اتهام يهودي ظلماً بسرقة
وقعت بالمدينة من رجل من المنافقين يقال له: "طعمة بن أبيرق" فنزلت الآيات
من السماء تنتصف لليهودي وتتهم أولئك المتآمرين وهم جيرانه وأقاربه
بالخيانة، وذلك ما نزل من قوله:
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن
لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا "105" وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ
غَفُورًا رَّحِيمًا "106" وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ
أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا "107"
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ
مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ
بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا "108" هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ
عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً "109" وَمَن
يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ
اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا "110" وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا
يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا "111" وَمَن
يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ
احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا "112" وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ
عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا
يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ
اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ
تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } (سورة النساء، الآيات:
105 ـ 113)
وسار الصحابة على هدى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك:
فكان عدل عمر فيما يفعله مع الأمير الغساني الذي لطم مسلماً فهشم أنفه حيث
قال عمر: إما أن ترضيه وإلا أقدته منك، قال جبلة: تقيده مني وأنا ملك وهو
سوقة، قال عمر: إن الإسلام سوى بينكما قال جبلة: إني رجوت أن أكون في
الإسلام أعز مني في الجاهلية فردد عمر ما قاله، قال جبلة: إذن أتنصر، فقال
إذن أضرب عنقك ..
وكان عدل علي إذ وقف أمام عمر مع يهودي، فلما كناه عمر غضب علي، وكانت
كتابة عمر إلى قاضيه يعلمه العدل بين الناس والمساواة بينهم.
فضيلة شيخ الأزهر
أصحاب المعالي والسماحة والفضيلة
أيها الأخوة الأكارم
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على البشرية جمعاء برسالة سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم هذه الرسالة التي ختم الله بها الرسالات، وجاءت كاملة شاملة:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ
وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى
النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ
يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ
غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (سورة
المائدة، الآية: 3)
هذه الرسالة السماوية نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في بطحاء
مكة، وفي خلال فترة وجيزة وبفضل الله وعونه، وإذ بهذه الرسالة تنتشر
انتشاراً سريعاً في أرجاء المعمورة.
هناك من يقول: إن الإسلام انتشر بالسيف..
هذا قول خاطئ، فالإسلام لم ينتشر بالسيف، ولا بالقوة، ولا بالعنف؛ لأنه لو
انتشر الإسلام بالسيف لزال الإسلام يوم أن زال السيف.
فهذه بريطانيا كانت الشمس لا تغيب عن ملكها بفعل السيف، فلما زال السيف
زالت، لكن سيف الإسلام ـ على حد قول هؤلاء ـ زال، ولكن بفضل الله ورحمته
نرى وجوهاً جديدة تدخل كل يوم في دين الله أفواجاً.
إن الإسلام قد انتشر بالأخلاق، بالقدوة الصالحة، بالحكمة والموعظة الحسنة،
هذا ما تحلى به التجار المسلمون يوم طافوا البلاد بأخلاقهم الكريمة وصفاتهم
الطيبة، فدخل الناس في دين الله أفواجاً.
إن الحرية الدينية شيء شرعه وابتكره ديننا الإسلامي الحنيف .. إن صيحة:
{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي
وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ
مِّمَّا تَعْمَلُونَ } (سورة يونس، الآية: 41)
هذه الصيحة لم تعرف إلا في كتابنا العظيم، وإن صيحة:
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } (سورة الكافرون، الآية: 6)
هذه الصيحة لم تعرف إطلاقا في ملة أخرى.
كانت أوروبا قبل القرآن وبعده، وكان العالم كله يعيش في برك من الدم، وصراع
آثم حول إكراه الناس على العقائد حتى جاء القرآن الكريم يقول للناس:
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد
تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ
انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (سورة البقرة، الآية: 256)
عندما نتصفح كتب التاريخ فإننا نجد صفحات مشرقة عن التسامح الإسلامي مع أهل
الديانات الأخرى، وعن الأسلوب الطيب في احترام الآخرين.
إننا نجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرفض أن يصلي في
الكنيسة التي عرض عليه أسقف بيت المقدس أن يصلي فيها، لماذا؟ حرصاً من عمر
على بقاء الكنيسة لأصحابها فقد قال للأسقف: لو صليت هنا لوثب المسلمون على
المكان وقالوا: هنا صلى عمر، وجعلوه مسجداً.
كما نلاحظ المعاملة الطيبة من المسلمين تجاه أهل الكتاب، وهذا ما دفع
الكثير من أهل الكتاب، وهذا ما دفع الكثير من أهل الكتاب للدخول في هذا
الدين الجديد؛ لأنهم وجدوا فيه ضالتهم نم السماحة واليسر والمحبة والأخوة.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مرت عليه جنازة يهودي فقام النبي
صلى الله عليه وسلم لها، فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال:
"أليست نفساً" أخرجه الإمام البخاري
وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يرى شيخاً متوكئاً على
عصاه ويسأل الناس، فسأل عنه، فقيل إنه كتابي وفي رواية نصراني، فقال: "خذوه
هذا وضرباءه إلى بيت المال، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته وتركناه
عند شيبه".
وروى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ذبحت في بيته شاه فقال: أهديتم
لجارنا اليهودي منها؟ قالوا:لا، قال أهدوا إليه، فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول:
"مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أخرجه الإمام البخاري.
إن صيحة:
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن
شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا
لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا
يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ
وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا } (سورة الكهف، الآية: 29)
تظهر عظمة هذا الدين، تظهر مدى مخاطبته للعقول لتختار بين طريق الإيمان
وطريق الكفر، طريق الخير وطريق الشر، طريق الحق وطريق الباطل.
فالإسلام لم يفرض على النصراني أن يترك نصرانيته، أو على اليهودي أن يترك
يهوديته، بل طالب كليهما مادام يؤثر دينه القديم أن يدع الإسلام وشأنه
يعتنقه من يعتنقه دون تهجم مر، أو جدل سيئ.
إن التسامح الذي عامل به الإسلام غير المسلمين، لم يعرف له نظير في القارات
الخمس، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب
البقاء والازدهار مثل ما صنع الإسلام. وفي مجتمع يضم أناساً مختلفي الدين
قد يثور نقاش بين هؤلاء وأولئك من الأتباع المتحمسين، وهنا نرى تعاليم
الإسلام صريحة في التزام الأدب والهدوء:
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ
وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (سورة
العنكبوت، الآية: 46)
فالأخوة الإنسانية هي الأساس الذي تقوم عليه علاقات الناس حيث إن القرآن
الكريم وضع دستوراً للعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين أيا كانت ديانتهم
كما في قوله تعالى:
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ
أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ "8" إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا
عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الظَّالِمُونَ} (سورة الممتحنة، الآيتان: 8 ـ 9)
والعهدة العمرية التي أرسى قواعدها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله
عنه مع بطريرك الروم صفرونيوس في السنة الخامسة عشر للهجرة تمثل لوحة فنية
في التسامح الإسلامي الذي لا نظير له في التاريخ، التسامح بين المسلمين
والمسيحيين في فلسطين الحبيبة، هذه العلاقة الطيبة التي مازالت وستبقى إن
شاء الله ونلاحظها أيضا في بلاد عديدة كأرض الكنانة وغيرها.
والمؤسف أن جهل شريحة واسعة من أهل الغرب المسيحي بحقيقة الدين الإسلامي
جعل أفراد هذه الشريحة يعادون المسلمين، ويكونون أكثر قرباً نم اليهود
الذين يكنون عداء تاريخياً لكل من المسيحيين، والمسلمين على حد سواء، في
حين أن الإسلام يميز تماماً بين اليهود والمسيحيين فيعتبر اليهود والذين
أشركوا أشد عداوة للذين آمنوا في حين يصف القرآن الكريم النصارى بالقول:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً
لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا
نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ
لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } (سورة المائدة، الآية: 82)
واليهود يصفون السيدة مريم العذراء عليها السلام بأوصاف سيئة، في حين أن
القرآن الكريم يصفها بأجمل وأطهر العبارات في مواضع عديدة ويعتبرها أفضل
نساء العالمين قاطبة في عصرها، حيث يقول الله عز وجل في محكم آياته:
{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا
مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء
الْعَالَمِينَ } (سورة آل عمران، الآية: 42)
والملاحظ هنا أن كلمة "اصطفاك" تكررت مرتين في الآية الكريمة، وهذا ما يحتم
على المسلم المؤمن أن يضع السيدة مريم العذراء عليها السلام في المرتبة
المقدسة التي تستحقها.
وفيما يصر اليهود على الإساءة للسيد المسيح عليه السلام ويصفونه حاشاه
بأقذع الأوصاف، فإن القرآن الكريم يعترف له بالنبوة وبمعجزة التكلم في
المهد حيث يقول تعالى:
{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا
تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا "24" وَهُزِّي إِلَيْكِ
بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا "25" فَكُلِي
وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا
فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ
إِنسِيًّا } (سورة مريم، الآيات: 24 ـ 26)
ويقول تعالى في نفس السورة:
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ
وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا "31" وَبَرًّا
بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا "32" وَالسَّلَامُ
عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا "33"
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ }
(سورة مريم، الآيات: 31 ـ 34)
وبالإضافة إلى ذلك أقول: إنه في أول عهد الإسلام قبل الهجرة النبوية
الشريفة إلى المدينة المنورة جرت معركة طاحنة بين الروم المسيحيين والفرس
المجوس كان النصر فيها للمجوس المشركين.
وفرح المشركون في مكة بذلك النصر وشمتوا بالروم، فيما ابتأس المسلمون بسبب
هزيمة المسيحيين وهم أهل الكتاب. ولما نزلت الآيات الكريمة تقول:
{الم "1" غُلِبَتِ الرُّومُ "2" فِي
أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ "3" فِي
بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ "4" بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } (سورة الروم، الآيات: 1 ـ 6)
فقد ابتهج المسلمون بهذا النصر.
فضيلة شيخ الأزهر
أصحاب المعالي والسماحة والفضيلة ..
الأخوة الأكارم:
وهاهو الشعب الفلسطيني ـ مسلمين ومسيحيين ـ يقف اليوم في خندق واحد، حيث إن
الإرهاب الإسرائيلي لا يفرق بين مسيحي ومسلم، وإن قنابل الاحتلال وطائراته
موجهة ضد المسلمين والمسيحيين معا، فكما تضرب القدس والخليل، فهي تضرب بيت
لحم، وكما تعتدي على رام الله والبيرة وجنين، فهي تعتدي على بيت ساحور،
وكما تهاجم طولكرم ورفح وجباليا فهي تهاجم بيت جالا.
إن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في هذه الأيام قد يتمت
الأطفال ورملت النساء، ودمرت البيوت والمصانع والمؤسسات وجرفت المزارع
والبيارات، وهاجمت مقرات السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث إن قوات الاحتلال
تتبع سياسة الأرض المحروقة التي لا تبقي ولا تذر، حيث وصلت هذه الاعتداءات
إلى المقدسات الإسلامية والمسيحية، حيث منعت المسلمين من الوصول إلى المسجد
الأقصى المبارك والصلاة فيه، وإغلاق المسجد الإبراهيمي في الخليل أمام
المصلين، وقصف العديد من المساجد في نابلس، وجنين، وطولكرم، والخليل، وبيت
لحم، ورفح، وغزة، وخان يونس، وجباليا وغيرها من المحافظات، كما امتدت هذه
الاعتداءات إلى كنيسة القيامة حيث منعت سلطات الاحتلال المسيحيين من
الاحتفال بأعيادهم، كما أنها تحاصر كنيسة المهد في بيت لحم، وتقتل وتعتدي
على العلماء المسلمين ورجال الدين المسيحي (مرفق تقرير عن الاعتداءات
الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في آخر هذا البحث)
ومع ذلك فإن القيادة الفلسطينية تسير على خطى العهدة العمرية، وتتمسك بها،
وتسير على هديها، حيث إنها تعمل جاهدة على تشكيل وفد إسلامي مسيحي مشترك
لتظهر للعالم العلاقة الوثيقة بين أفراد الشعب الواحد، إن الأوضاع الراهنة
في فلسطين خطيرة جداً، ونحن بحاجة إلى دعم الأشقاء في الأمتين العربية
والإسلامية ليبقى هذا الشعب المرابط متمسكاً بحقوقه مرابطاً على أرضه
مدافعاً عن عقيدته.
إنني انتهز هذه المناسبة ـ ومن خلال علماء الأمة ـ أن أنقل أصدق آيات الشكر
والتقدير من الشعب الفلسطيني المرابط، ومن القيادة الفلسطينية وعلى رأسها
الأخ الرئيس ياسر عرفات ـ رئيس دولة فلسطين ـ إلى الشعوب العربية
والإسلامية على وقفتها المشرفة مع أشقائهم في فلسطين، هذه الوقفة وهذه
التبرعات الكريمة التي تبين بأننا أخوة في السراء والضراء وأننا أمة واحدة
هي الأمة العربية والإسلامية، وأننا ننتظر مستقبلاً زاهراً بإذن الله، وإن
شاء الله سنصلي معاً وسوياً في المسجد الأقصى المبارك وقد تحرر من أيدي
المحتلين.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا } (سورة الإسراء، الآية: 51)
كلنا ثقة بالله، بأن الليل مهما طال فلابد من بزوغ الفجر، فما بعد العسر
إلا اليسر، وما بعد الضيق إلا الفرج وإن الفرج آت بإذن الله، رغم المشككين،
رغم الحاقدين رغم أعداء الإسلام كلهم وكما قال الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني وما استعصى على قوم منال ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
إذا الإقدام كان لهم ركابا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[/td][/tr]
[/td]
[/tr]
[tr]
[td class="AricleContent" style="padding-top:10px;"]بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، محمد صلى الله
عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.
الأستاذ الدكتور/ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف ـ حفظه الله ـ رئيس
مجمع البحوث الإسلامية ـ رئيس المؤتمر
أصحاب المعالي والسماحة والفضيلة
أيها الإخوة الأكارم:
أحييكم تحية من عند الله مباركة طيبة، "تحية من المسجد الأقصى المبارك الذي
بارك الله حوله، تحية من أرض فلسطين، أرض الأنبياء، أرض البطولات، أرض
الشهداء، وبهذه المناسبة فإنني أنقل إليك تحيات أشقائكم المرابطين في بيت
المقدس وأكناف بيت المقدس، الذين يتعرضون للحصار والقتل والتشريد، كما أنقل
إليكم تحيات أخيكم الرئيس/ ياسر عرفات المحاصر في مقره برام الله معلنين
أننا شعب واحد، وجزء من أمة واحدة، مثنين على مواقفكم الداعمة للشعب
الفلسطيني المرابط، ووقفتكم المشرفة معه، حيث كان لهذه الوقفة الكريمة عظيم
الأثر في صمود شعبنا المرابط، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد:
إنه لشرف لي أن أحضر هذا المؤتمر العتيد الذي يعقد في أرض الكنانة بعنوان
"هذا هو الإسلام" للرد على محاولات تشويه الإسلام، والعمل على إظهار سماحة
الإسلام وعدالته، والوجه المشرق لهذه الرسالة السماوية العظيمة، حيث سيتولى
العلماء الأجلاء، والأساتذة الأفاضل الحديث عن ذلك من خلال بعض الموضوعات
المطروحة وسأتحدث إن شاء الله حول موضوع (الإسلام دين العدالة والسماحة
والرحمة).
ولأهمية العدل في الإسلام وردت مادة (العدل) في القرآن الكريم (28) مرة،
وردت كلمة (القسط) المرادفة لها (25) مرة.
وللحث على العدل قال الله تعالى:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء
وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (سورة
النحل، الآية: 90)
وقال تعالى:
{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى
الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ
اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (سورة الحجرات، الآية: 9)
والإقساط هو العدل، والمقسطون هم العادلون، وقد أمر الله بالعدل في الأحكام كما أمر به في الأقوال، يقول تعالى:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ
الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن
تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ
اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } (سورة النساء، الآية: 58)
وقال تعالى:
{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ
إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ
الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ
وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ } (سورة الأنعام، الآية: 152)
كما ورد في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كثير من الأحاديث تحث على العدل وتشجع عليه وتدعو إليه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"
أخرجه مسلم.
وكانت البشرية قبل بزوغ فجر الإسلام تعرف العدوان أكثر مما تعرف الحق،
وتحترم القوة أكثر مما تحترم الحرمة، والإنسانية في ظلمات بعضها فوق بعض،
يفتك القوي بالضعيف، ويأكل القادر حقوق العاجز، ومع ذلك عرف العرب في
جاهليتهم حلف الفضول ..
أن ينصروا المظلوم ويقفوا معه حتى يأخذ حقه
من الظالم، وذلك الحلف الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "لو دعين
إليه في الإسلام لأجبته" أخرجه مسلم في صحيحه.
وجاءت رسالة الإسلام، رسالة العدل والمساواة، حيث أشرقت الأرض بنور ربها وارتفعت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع:
"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" أخرجه مسلم في صحيحه.
ومن قبل ذلك كله كان المثل الرائع على عهد النبوة لتطبيق العدل دون أن يميل مع القربى، أو يحيف مع الشنآن، ونضرب لذلك مثالين:
أولا: عندما جاء أسامة بن زيد يشفع لمخزومية سرقت .. فكانت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم نوراً يهدي من بعده:
"إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا
سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن
فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" متفق عليه.
ثانيا: كان ذلك عندما تواطأ بعض المنافقين على اتهام يهودي ظلماً بسرقة
وقعت بالمدينة من رجل من المنافقين يقال له: "طعمة بن أبيرق" فنزلت الآيات
من السماء تنتصف لليهودي وتتهم أولئك المتآمرين وهم جيرانه وأقاربه
بالخيانة، وذلك ما نزل من قوله:
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن
لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا "105" وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ
غَفُورًا رَّحِيمًا "106" وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ
أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا "107"
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ
مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ
بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا "108" هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ
عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً "109" وَمَن
يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ
اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا "110" وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا
يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا "111" وَمَن
يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ
احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا "112" وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ
عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا
يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ
اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ
تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } (سورة النساء، الآيات:
105 ـ 113)
وسار الصحابة على هدى نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك:
فكان عدل عمر فيما يفعله مع الأمير الغساني الذي لطم مسلماً فهشم أنفه حيث
قال عمر: إما أن ترضيه وإلا أقدته منك، قال جبلة: تقيده مني وأنا ملك وهو
سوقة، قال عمر: إن الإسلام سوى بينكما قال جبلة: إني رجوت أن أكون في
الإسلام أعز مني في الجاهلية فردد عمر ما قاله، قال جبلة: إذن أتنصر، فقال
إذن أضرب عنقك ..
وكان عدل علي إذ وقف أمام عمر مع يهودي، فلما كناه عمر غضب علي، وكانت
كتابة عمر إلى قاضيه يعلمه العدل بين الناس والمساواة بينهم.
فضيلة شيخ الأزهر
أصحاب المعالي والسماحة والفضيلة
أيها الأخوة الأكارم
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على البشرية جمعاء برسالة سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم هذه الرسالة التي ختم الله بها الرسالات، وجاءت كاملة شاملة:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ
وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى
النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ
يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ
غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (سورة
المائدة، الآية: 3)
هذه الرسالة السماوية نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في بطحاء
مكة، وفي خلال فترة وجيزة وبفضل الله وعونه، وإذ بهذه الرسالة تنتشر
انتشاراً سريعاً في أرجاء المعمورة.
هناك من يقول: إن الإسلام انتشر بالسيف..
هذا قول خاطئ، فالإسلام لم ينتشر بالسيف، ولا بالقوة، ولا بالعنف؛ لأنه لو
انتشر الإسلام بالسيف لزال الإسلام يوم أن زال السيف.
فهذه بريطانيا كانت الشمس لا تغيب عن ملكها بفعل السيف، فلما زال السيف
زالت، لكن سيف الإسلام ـ على حد قول هؤلاء ـ زال، ولكن بفضل الله ورحمته
نرى وجوهاً جديدة تدخل كل يوم في دين الله أفواجاً.
إن الإسلام قد انتشر بالأخلاق، بالقدوة الصالحة، بالحكمة والموعظة الحسنة،
هذا ما تحلى به التجار المسلمون يوم طافوا البلاد بأخلاقهم الكريمة وصفاتهم
الطيبة، فدخل الناس في دين الله أفواجاً.
إن الحرية الدينية شيء شرعه وابتكره ديننا الإسلامي الحنيف .. إن صيحة:
{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي
وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ
مِّمَّا تَعْمَلُونَ } (سورة يونس، الآية: 41)
هذه الصيحة لم تعرف إلا في كتابنا العظيم، وإن صيحة:
{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } (سورة الكافرون، الآية: 6)
هذه الصيحة لم تعرف إطلاقا في ملة أخرى.
كانت أوروبا قبل القرآن وبعده، وكان العالم كله يعيش في برك من الدم، وصراع
آثم حول إكراه الناس على العقائد حتى جاء القرآن الكريم يقول للناس:
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد
تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ
انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (سورة البقرة، الآية: 256)
عندما نتصفح كتب التاريخ فإننا نجد صفحات مشرقة عن التسامح الإسلامي مع أهل
الديانات الأخرى، وعن الأسلوب الطيب في احترام الآخرين.
إننا نجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرفض أن يصلي في
الكنيسة التي عرض عليه أسقف بيت المقدس أن يصلي فيها، لماذا؟ حرصاً من عمر
على بقاء الكنيسة لأصحابها فقد قال للأسقف: لو صليت هنا لوثب المسلمون على
المكان وقالوا: هنا صلى عمر، وجعلوه مسجداً.
كما نلاحظ المعاملة الطيبة من المسلمين تجاه أهل الكتاب، وهذا ما دفع
الكثير من أهل الكتاب، وهذا ما دفع الكثير من أهل الكتاب للدخول في هذا
الدين الجديد؛ لأنهم وجدوا فيه ضالتهم نم السماحة واليسر والمحبة والأخوة.
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مرت عليه جنازة يهودي فقام النبي
صلى الله عليه وسلم لها، فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال:
"أليست نفساً" أخرجه الإمام البخاري
وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يرى شيخاً متوكئاً على
عصاه ويسأل الناس، فسأل عنه، فقيل إنه كتابي وفي رواية نصراني، فقال: "خذوه
هذا وضرباءه إلى بيت المال، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته وتركناه
عند شيبه".
وروى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ذبحت في بيته شاه فقال: أهديتم
لجارنا اليهودي منها؟ قالوا:لا، قال أهدوا إليه، فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول:
"مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أخرجه الإمام البخاري.
إن صيحة:
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن
شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا
لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا
يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ
وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا } (سورة الكهف، الآية: 29)
تظهر عظمة هذا الدين، تظهر مدى مخاطبته للعقول لتختار بين طريق الإيمان
وطريق الكفر، طريق الخير وطريق الشر، طريق الحق وطريق الباطل.
فالإسلام لم يفرض على النصراني أن يترك نصرانيته، أو على اليهودي أن يترك
يهوديته، بل طالب كليهما مادام يؤثر دينه القديم أن يدع الإسلام وشأنه
يعتنقه من يعتنقه دون تهجم مر، أو جدل سيئ.
إن التسامح الذي عامل به الإسلام غير المسلمين، لم يعرف له نظير في القارات
الخمس، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة، ومنح مخالفيه في الاعتقاد كل أسباب
البقاء والازدهار مثل ما صنع الإسلام. وفي مجتمع يضم أناساً مختلفي الدين
قد يثور نقاش بين هؤلاء وأولئك من الأتباع المتحمسين، وهنا نرى تعاليم
الإسلام صريحة في التزام الأدب والهدوء:
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ
وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (سورة
العنكبوت، الآية: 46)
فالأخوة الإنسانية هي الأساس الذي تقوم عليه علاقات الناس حيث إن القرآن
الكريم وضع دستوراً للعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين أيا كانت ديانتهم
كما في قوله تعالى:
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ
أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ "8" إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا
عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الظَّالِمُونَ} (سورة الممتحنة، الآيتان: 8 ـ 9)
والعهدة العمرية التي أرسى قواعدها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله
عنه مع بطريرك الروم صفرونيوس في السنة الخامسة عشر للهجرة تمثل لوحة فنية
في التسامح الإسلامي الذي لا نظير له في التاريخ، التسامح بين المسلمين
والمسيحيين في فلسطين الحبيبة، هذه العلاقة الطيبة التي مازالت وستبقى إن
شاء الله ونلاحظها أيضا في بلاد عديدة كأرض الكنانة وغيرها.
والمؤسف أن جهل شريحة واسعة من أهل الغرب المسيحي بحقيقة الدين الإسلامي
جعل أفراد هذه الشريحة يعادون المسلمين، ويكونون أكثر قرباً نم اليهود
الذين يكنون عداء تاريخياً لكل من المسيحيين، والمسلمين على حد سواء، في
حين أن الإسلام يميز تماماً بين اليهود والمسيحيين فيعتبر اليهود والذين
أشركوا أشد عداوة للذين آمنوا في حين يصف القرآن الكريم النصارى بالقول:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً
لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ
أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا
نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ
لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } (سورة المائدة، الآية: 82)
واليهود يصفون السيدة مريم العذراء عليها السلام بأوصاف سيئة، في حين أن
القرآن الكريم يصفها بأجمل وأطهر العبارات في مواضع عديدة ويعتبرها أفضل
نساء العالمين قاطبة في عصرها، حيث يقول الله عز وجل في محكم آياته:
{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا
مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء
الْعَالَمِينَ } (سورة آل عمران، الآية: 42)
والملاحظ هنا أن كلمة "اصطفاك" تكررت مرتين في الآية الكريمة، وهذا ما يحتم
على المسلم المؤمن أن يضع السيدة مريم العذراء عليها السلام في المرتبة
المقدسة التي تستحقها.
وفيما يصر اليهود على الإساءة للسيد المسيح عليه السلام ويصفونه حاشاه
بأقذع الأوصاف، فإن القرآن الكريم يعترف له بالنبوة وبمعجزة التكلم في
المهد حيث يقول تعالى:
{فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا
تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا "24" وَهُزِّي إِلَيْكِ
بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا "25" فَكُلِي
وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا
فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ
إِنسِيًّا } (سورة مريم، الآيات: 24 ـ 26)
ويقول تعالى في نفس السورة:
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ
وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا "31" وَبَرًّا
بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا "32" وَالسَّلَامُ
عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا "33"
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ }
(سورة مريم، الآيات: 31 ـ 34)
وبالإضافة إلى ذلك أقول: إنه في أول عهد الإسلام قبل الهجرة النبوية
الشريفة إلى المدينة المنورة جرت معركة طاحنة بين الروم المسيحيين والفرس
المجوس كان النصر فيها للمجوس المشركين.
وفرح المشركون في مكة بذلك النصر وشمتوا بالروم، فيما ابتأس المسلمون بسبب
هزيمة المسيحيين وهم أهل الكتاب. ولما نزلت الآيات الكريمة تقول:
{الم "1" غُلِبَتِ الرُّومُ "2" فِي
أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ "3" فِي
بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ
يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ "4" بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } (سورة الروم، الآيات: 1 ـ 6)
فقد ابتهج المسلمون بهذا النصر.
فضيلة شيخ الأزهر
أصحاب المعالي والسماحة والفضيلة ..
الأخوة الأكارم:
وهاهو الشعب الفلسطيني ـ مسلمين ومسيحيين ـ يقف اليوم في خندق واحد، حيث إن
الإرهاب الإسرائيلي لا يفرق بين مسيحي ومسلم، وإن قنابل الاحتلال وطائراته
موجهة ضد المسلمين والمسيحيين معا، فكما تضرب القدس والخليل، فهي تضرب بيت
لحم، وكما تعتدي على رام الله والبيرة وجنين، فهي تعتدي على بيت ساحور،
وكما تهاجم طولكرم ورفح وجباليا فهي تهاجم بيت جالا.
إن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في هذه الأيام قد يتمت
الأطفال ورملت النساء، ودمرت البيوت والمصانع والمؤسسات وجرفت المزارع
والبيارات، وهاجمت مقرات السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث إن قوات الاحتلال
تتبع سياسة الأرض المحروقة التي لا تبقي ولا تذر، حيث وصلت هذه الاعتداءات
إلى المقدسات الإسلامية والمسيحية، حيث منعت المسلمين من الوصول إلى المسجد
الأقصى المبارك والصلاة فيه، وإغلاق المسجد الإبراهيمي في الخليل أمام
المصلين، وقصف العديد من المساجد في نابلس، وجنين، وطولكرم، والخليل، وبيت
لحم، ورفح، وغزة، وخان يونس، وجباليا وغيرها من المحافظات، كما امتدت هذه
الاعتداءات إلى كنيسة القيامة حيث منعت سلطات الاحتلال المسيحيين من
الاحتفال بأعيادهم، كما أنها تحاصر كنيسة المهد في بيت لحم، وتقتل وتعتدي
على العلماء المسلمين ورجال الدين المسيحي (مرفق تقرير عن الاعتداءات
الإسرائيلية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في آخر هذا البحث)
ومع ذلك فإن القيادة الفلسطينية تسير على خطى العهدة العمرية، وتتمسك بها،
وتسير على هديها، حيث إنها تعمل جاهدة على تشكيل وفد إسلامي مسيحي مشترك
لتظهر للعالم العلاقة الوثيقة بين أفراد الشعب الواحد، إن الأوضاع الراهنة
في فلسطين خطيرة جداً، ونحن بحاجة إلى دعم الأشقاء في الأمتين العربية
والإسلامية ليبقى هذا الشعب المرابط متمسكاً بحقوقه مرابطاً على أرضه
مدافعاً عن عقيدته.
إنني انتهز هذه المناسبة ـ ومن خلال علماء الأمة ـ أن أنقل أصدق آيات الشكر
والتقدير من الشعب الفلسطيني المرابط، ومن القيادة الفلسطينية وعلى رأسها
الأخ الرئيس ياسر عرفات ـ رئيس دولة فلسطين ـ إلى الشعوب العربية
والإسلامية على وقفتها المشرفة مع أشقائهم في فلسطين، هذه الوقفة وهذه
التبرعات الكريمة التي تبين بأننا أخوة في السراء والضراء وأننا أمة واحدة
هي الأمة العربية والإسلامية، وأننا ننتظر مستقبلاً زاهراً بإذن الله، وإن
شاء الله سنصلي معاً وسوياً في المسجد الأقصى المبارك وقد تحرر من أيدي
المحتلين.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا } (سورة الإسراء، الآية: 51)
كلنا ثقة بالله، بأن الليل مهما طال فلابد من بزوغ الفجر، فما بعد العسر
إلا اليسر، وما بعد الضيق إلا الفرج وإن الفرج آت بإذن الله، رغم المشككين،
رغم الحاقدين رغم أعداء الإسلام كلهم وكما قال الشاعر:
وما نيل المطالب بالتمني وما استعصى على قوم منال ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
إذا الإقدام كان لهم ركابا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2016-04-26, 17:16 من طرف heba1977
» موقع اخبارى مميز
2016-04-12, 14:18 من طرف الخولى
» مكتبه الفنان عبده النزاوي
2016-03-19, 17:08 من طرف حازم هارون
» مكتبه مطرب الكف ياسر رشاد
2016-03-18, 17:51 من طرف حازم هارون
» مكتبه مطرب الكف - رشاد عبد العال - اسوان
2016-03-18, 17:48 من طرف حازم هارون
» يلم دراما الزمن الجميل الرائع - أنا بنت مين, فريد شوقي, ليلى فوزي , حسين رياض
2016-03-13, 10:39 من طرف نعناعه
» فيلم الحرمان فيروز نيللي
2016-03-13, 10:35 من طرف نعناعه
» المسلسل البدوي البريئة
2016-03-13, 10:33 من طرف نعناعه
» مسلسل وضحا وابن عجلان
2016-03-13, 10:32 من طرف نعناعه