وقع بين يدي بحث رائع جدا عن قوم ثمود للباحث :
( هادي علي أحمد أبوعامري.
مفسوح من وزارة الإعلام
برقم 10683/ م / ج وتاريخ 18 / 12 / 1425هـ )
البحث رائع وجميل .. ومن أشمل ما قرأت في موضوعه .. فجزاه الله كل الخير .. وأترككم مع البحث :
هذا البحث ليس بحثاً في بطون الكتب فقط
.. بل يشمل إلى جانب ذلك جولات ورحلات ميدانية في أشد مناطق جزيرة العرب
وعورةً, وأعجبها تضاريس, فهو حقاً مكابدة وعناء بحث ميداني قارب العام,
ومعاناتي كانت ذات ثلاث شعب –نفسية وجسدية ومالية- أما المعاناة النفسية
فبسبب ما كنت أسمعه من القريب والبعيد, لقد كان يسألني البعض أين ذهبت
فأقول إلى جبل القهر للبحث عن مدائن صالح فــيضحك ويلتفت إلى من يكون
حاضراً ويقول: ذهب يبحث عن ناقة صالح, وهذا مثل في منطقتنا يضرب لاستحالة
الأمر, كأن تسأل من يئس من أمر ما: متى يكون ذلك؟ فيجيب: إذا قامت ناقة
صالح, وأما الجسدية فلأني قمت بهذا البحث الميداني وأنا في الستين وأحمل
في صدري جهازاً منظماً لضربات القلب, في جبل تكل فيه جوارح الطير, وأما
المادية فلأني غير مكلف من جهة علمية, حكومية أو غير حكومية, لقد كنت أصرف
على هذا البحث من قوت أولادي, آسف لاستخدام من التبعيضية, فقوت أولادي لا
يمكن أن يؤخذ إلا كاملاً, لأنه كما قال الجاحظ جزء لا يتجزأ, ولقد تجلى
لطف الله بي في هذا البحث أن أخذ لي بناصية شاب شهم كان يترك عمله ويصحبني
يقود بي السيارة في هذا الجبل الوعر, وخبرتي في قيادة السيارة بعمر صاحبي
هذا, ولكني تيقنت أني إن قدت السيارة سأرتكب خطأ لا محالة فأنا رجل يشرد
ذهني باستمرار, وفي الغالب قد يكون الخطأ مميتاً, لا ادري كيف أشكر الأخ
يحيى علي معيض الشمراني على ملازمته لي في كل رحلاتي وتحمله الخصم من
راتبه في كل مرة, واحتماله الماء القراح على قطع الكيك الجافة, فهل من
المروءة أن لا أذكره في هذا المقال وأشكره, وأول بحثي عن مواطن ثمود كان
بالقراءة والإطلاع في كتاب الله أولاً, وفي كتب التاريخ ثانياً, وهآلني أن
أجد المفسرين جميعاً في تفسيرهم لقوله تعالى في سـورة الـحـجر: ((وَلَقَدْ
كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ)) يجمعون على أن الحجر المذكور
في الآية يقع بين مكة وتبوك أو بين الحجاز والشام, مستشهدين بما قاله
الأزهري والطبري أي " حجر وادي القرى " وتتبعت أدلتهم فلم أجد دليلاً
واحداً يمكن الأخذ به, والأرجح أن قوم لوط هم أصحاب ذلك الموقع المعذب
أهله, والمنحوتات في جبل الحجر أو جباله ما هي إلاّ قبور حفرها الأنباط
لموتاهم كما تدل الكتابات التي عليها, وهي غير صالحة للسكنى ولم تكن صالحة
قط, ثم إن ما يعرف بالخط الثمودي ما هو إلاّ وهم من قائليه وأحسبه يخص
العماليق أو الأنباط, أما ثمود فقد كانوا قــبـل مــعرفة الإنسان
بالكتابة, إن القرآن الكريم ذكر لنا أن أول صحف كانت زمن أبينا إبراهيم,
وما أنزل الله إليهم صحفاً إلاّ وهم أمة قارئة, ولم يرد مثل هذا في قوم
نوح وعاد وثمود, ولا يتسع المقال للرد على أدلة القائلين إن حجر وادي
القرى هو موطن ثمود, وجميعها مردود عليه, ويمكن الرد عليها بإيجاز, فجميع
الأحاديث الواردة في غزوة تبوك لا تصرح أن أصحاب حجر وادي القرى هـــم
ثمود, والذي يصرح منها لا يمكن الأخذ, به فالحديث الذي ورد فيه ذكر أبي
رغال أنـه مـن ثـمــود لا يطمئن إليه القلب, فقد ذكر فيه أبو رغال معرفاً
وأبو رغال(1) المعروف كان زمن الفيل, وثمود كانت قبل أبينا إبراهيم بما لا
يعلم إلاّ الله من القرون, أما الحديث الذي يذكر البئر التي كانت تشرب
منها الناقة(2) فيرده العقل والمنطق, فـــــالناقة يجب أن تشرب بنفسها,
ولو كانت تشرب من بئر لاحتاجت إلى من يجذب لها الماء من البشر, ولو كان
الأمر كذلك لما احتاجت ثمود إلى عقرها, بل يكفيهم أن يمتنعوا عن جذب الماء
لها فتهلك عطشاً, وحجر وادي القرى يقع على طريق قوافل - بسبيل مقيم –
وقــد قال جـلّ وعلا لثمود: ((أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ
)), وهذا يدل على أنهم كانوا في موقع حصين بتضاريسه, يحقق لهم الأمن و
العزلة, وأحسب أن كلمة الحجر في الآية جاءت لبيان ما امتن الله به عليهم
من نعمة الأمن, بسبب حصانة الموقع, وسبب تفسير المفسرين للحجر بحجر وادي
القرى شهرة الاسم وشهرة القبور النبطية في ذلك الموقع, وما ذكر في هذا
الشأن من أحاديث لم يتم تتبع رواتها وروايتها, لأن علماء الفقه يتساهلون
في أخبار التاريخ, إذ ليست هي من أمور التشريع, فإذا كان رأيي هذا وافق
الحق فــحـجــر الـمـديـنـة ليس موطن أصحاب الناقة, ولا أدري هل في حجر
المدينة جنات وعيون أم لا, ويغلب على ظني أن أرض ثمود كانت وعرة غير
مناسبة لحياة الإبل, لذلك سألوا نبيهم أن يخرج لهم من صخرة ناقة ليجمعوا
عليه إعجازين, الأول اسـتـحالـة تـولـد حـــيّ مـــن جــمـاد بـقـدرة
الـمـخـلـوق, الثاني ضـمـان عدم الاحتيال في إدخال الحيوان المطلوب في
الصخرة وإخراجه مــنــها بأي حـيـلـة كانت, فـالـحـيوان المطلوب لا وجود
له بأرضهم, وحجر المدينة بانفتاحه على نجد أرض إبل.
زمن ثمود
أول الأمم أمة نوح عليه السلام, هكذا تسلسل الأمم في القرآن الكريم,
فلما أغرقهم الله ونجى من آمن بنوح في السفينة استقرت تلك الأمة في
الأحقاف وكانت منهم قبيلة عاد, هذه رواية القرآن الكريم أحسن القصص, قال
تعالى في سورة الأحقاف مخاطباً عاداً: (( وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ
خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً )),
فلما أرسل الله عليهم الريح العقيم نجى هوداً والذين آمنوا معه إلى الأرض
التي كانت فيها ثمود قال تعالى في سورة الأعراف على لسان نـبـيـه صـالـح
مـخـاطـباً ثـمـود: (( وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ
عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْض ِ)), فلما أهلك الله ثمود نجى نبيه
صالحاً ومن معه إلى أرض لم يرد لها تعريف في القرآن وإن كان في كتاب الله
أن أبينا إبراهيم كان بعد ذلك, ولا صحة لقول من قال إن أبينا إبراهيم أدرك
نـبي الله نـوحاً وفي قصة أصحاب الأيكة ما يفيد بتقدم ثمود وتأخر نبي الله
إبراهيم عليه السلام, قال تعالى في سورة هود على لسان نبيه شعيب مخاطباً
قومه أصحاب الأيكة: (( وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن
يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ
قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ )), ومن المعلوم أن
لوطاً عليه السلام كان معاصراً لأبينا إبراهيم, وهذا يعني أن ثمود أقدم من
فراعنة مصر.
آية التمكين لثمود
يتفضل الله على كل أمة بتمكينهم من أمر ما, فإذا غرتهم قوتهم
وانصرفوا عن شكر الخالق الذي هداهم لذلك, ويسره لهم, ذكرهم نعمته, فإذا
تمادوا في طغيانهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر, ليكونوا عبرة لمن بعدهم, يعرفون
منها أن القوة لله وحده ولقد ذكر لنا القرآن ما مكن الله فيه بعض الأمم,
كمدينة إرم, وقطع ثمود الصخور العظام وأهرامات الفراعنة, وسد مأرب.
لقد فكرت كثيراً في قوله تعالى في سورة الفجر: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ {6} إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ {7} الَّتِي لَمْ
يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ {8} وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا
الصَّخْرَ بِالْوَادِ {9} وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ )), بعض المفسرين
يذهب إلى أن إرم قبيلة لا مدينة, والذي أعتقده أنها مدينة, لأن الله جلّ
جلاله ذكر عن كل أمة ما مكنها فيه من عظيم الصنع فثمود قطعوا الجبال
ونحتوها, والفراعنة بنوا ما يشبه الجبال, ووجب أن تكون إرم من صنع عاد لا
عاداً نفسها, ولقد ترسخ في ذهني أن قطع ثمود للصخور كان عملاً عظيماً قد
يكون كالأهرامات, وكنتيجة لهذا الاعتقاد بدأت أفكر في الآثار الموجودة في
حجر المدينة, هل هي موافقة لما تحدث به القرآن الكريم عن ثمود, الذي
يجعلني أشك في كونها من عمل ثمود أولاً أنها ليست بيوتاً, و لاهي صالحة
للسكنى البتة الأمر الثاني أن الكتابات التي عليها كتابات نبطية(1),
والقبور حفرها الأنباط لــمــوتاهــم, أضف إلى ذلك أن كثيراً من علماء
الآثار زاروا تلك القبور ولم يجدوا فيها ولا فيما حولها ما يدل على
ثمود(2), وهذا ما جعلني أقرر زيارة المنطقة التي يدعي أهلها أن الناقة
كانت بأرضهم, وأن جـــبــلاً مــشــقــوقاً لديهم يسمع منه صوت بعير, وكان
ما سأكشف عنه في هذا المقال,ولكن قبل ذلك أود القول إن معنى قوله تعالى:
(( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ )) أي قطعوا, فالجوب
هـو القطع والأسلوب الذي حـفـرت بـه الـقـبـور الـتي فـي الـحـجـر لا
يوافق صفة القطع فالقطع يشق المقطوع لا يثقبه, والله جلّ جلاله ذكر عن
ثمود نحتهم الجبال للسكنى والمفسرون ذهبوا إلى أن المـراد واحد "القطع
والنحت" ولا أحسب هذا صائباً, قــال تــعــالـى فـي سـورة الأعراف:
((وَتَـنْـحِتُونَ الْـجِبَالَ بُيُوتاً )), وقــال عــزّ مـن قــائـل
فــي ســــورة الـشـعـراء: (( وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً )),
لا أظن الذي لم يشاهد الجبال المنحوتة في موطن ثمود في منطقة جيزان يلمس
دقة التعبير في الآيتين, أما الذي يشاهد تلك الجبال في جبل القهر يجد دقة
المعنى تتجلى في تلك البيوت التي لا تزال مسكونة إلى يومنا هذا, ولعله
يقول مثلما خيل إليّ حيث قلت إن قبور حجر المدينة لو جاز أن نقول عن عملها
نحتاً فالأولى أن نقول في غير لفظ الآية "في الجبال بيوتاً", فهو أوفق
لماهيتها, ولا نقول "من الجبال بيوتاً" والنحت هو البري كفعل النجار في
الخشب بالقدوم, قال الـشاعر:
يا بنت عجلان ما أصبرني على خطوب كنحت بالقدوم
موقع ديار ثمود من منطقة جيزان
تقع ديار ثمود في جبل القهر شرقي مدينة بيش, على بعد ثمانين كيلومترا
على وجه التقريب, وجبل القهر أعظم وأعجب جبال تهامة دون استثناء, ويسمى
كذلك زهوان ويعد من جبال الغور " تـهــامـة ", ووجه الغرابة فيه أنه يمتد
في شكل دائري, بقطر خمسين كيلاً, تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً, والمساحة
داخل الدائرة تتكون من حداب وأودية, وهو حجر حصين لا يستطيع غير سكانه
الوصول إليه, فجبل القهر جميع جهاته الخارجية كالجدار, صــخــور مـلـسـاء
لا سـبيـل لرقيها, وليس له غير طريق واحدة من جهة الغرب, يتحكم فيها سكان
هذا الجبل فيسدونها وقت شاءوا, ولا يعرفها غيرهم, كان هذا إلى عهد قريب,
ويقال إن للجبل طريقاً أخرى من ناحية الشرق تتصل بقحطان, أشد وعورة من
الطريق الغربية المتصلة بسهل تهامة وليست الوعورة مقصورة على الجهات
الخارجية للجبل بل تجد المنحدرات الملساء التي لا يمكن تسلقها أو الانحدار
منها داخل الجبل, حول المزارع على وجه الخصوص, ولا تخطئ العـين أثـــر
الـقـطع فـي هـذه الـصخور, وسوف نأتي على ذكر ذلك, وسكان هذا الجبل هم
قبائل الريث, نسبةً إلى ريث بن غطفان تمازجوا وانصهروا مع أبناء حطيط بن
ثقيف "منبه", بضم الحاء, وحلف غطفان وأبناء حطيط بن ثقيف مذكور في كتب
التاريخ, كان قبل الإسلام, هذا رأيي, لم أسأل فيه أحداً, وإذا تمعنت في
السفح الغربي الخارجي للجبل يتردد في صدرك أنه قُطِع بفعل فاعل حتى صار
كالجدار, خاصة الطرف الجنوبي من ذروته الغربية.
ثمود حضرموت وعمان
شاهدت ذات يوم في التلفزيون خبراً مصوراً يدعي منتجه أن ثمود كانت
بأرض عمان, وعرضوا صورة قَبر, قالوا إنه قبر نبي الله صالح, وشاهدت فلماً
آخر يتحدث عن آثار حضرموت, يعرض فيه صاحبه قطعة من الأرض جوار جبل وهو
يقول هاهنا كانت تبرك ناقة نبي الله صالح, ولم يقدم أي من الفلمين دليلاً
أو شبه دليل يمكن أن يؤخذ به, فكل ما عرض في الفلمين مجرد تخرصات وأوهام
أميين, ليس لها حظ من المنطق.
ثمود في كتب التاريخ
تواترت روايات المفسرين والمؤرخين على أن ثمود كانوا أهل أوثان, وفي
كتاب الله أنهم كانوا يعبدون غير الله, دون تبيان لمعبودهم أوثان أو كواكب
أو شجر وكانوا حسب روايات المؤرخين - وحسب منطوق الآيات الواردة فيهم- في
رفاغة عيش وبعض المؤرخين يزعم أن غالب أموالهم الماشية, وورد في القرآن
أنه كان لهم جنات و زروع ونخل, وبعث الله إليهم عبده صالحاً يحاجهم
ويدعوهم إلى عبادة الله وحده, فسألوه كضرب من التحدي أن يخرج لهم ناقة من
صخرة بعينها(1), يذكر ابن الأثير أن هذه الصخرة كانت بموضع تجتمع فيه ثمود
في يوم عيدها(2), أي أن خروج الناقة من الصخرة كان في يوم عيدهم وهم
مجتمعون في ذلك الموضع, أما الطبري فيقول إن نبي الله صالحاً خرج بهم إلى
تلك الصخرة وقد عاهدوه على الإيمان إن أخرج منها ناقة, فدعا الله فتمخضت
الصخرة تمخض النفساء, أي أنَّت وتوجعت حتى خرجت منها ناقة عشراء, ما لبثت
أن تمخضت ووضعت فصيلها سوف يدهش القارئ من الصور التي ترد لاحقاً ثم لا
يجادل في صحة هذه الرواية والذي أنا على يقين منه أن قبائل الريث أو
معظمهم لا يعلمون أن الناقة خرجت من صخرة, ولا أنها خرجت عشراء وتمخضت عن
سقبها, إنما قادوني إلى موضع لأرى أثر أخفاف توارثوا أنه أثر الناقة, وهم
لا يعرفون شيئاً عن الصخرة و الفصيل, وسيدهش القارئ إذا علم أن الصخرة
وأثر الفصيل وأثر الناقة مجتمعة في موضع واحد.
عدم وفاء ثمود بما اشترط عليهم
اشترط الله جلّ جلاله على ثمود أن يذروا ناقته ترعى حيث شاءت من أرض
الله ولا يمسوها بسوء, وأن لا يقربوا الماء يوم وردها, وكانت لا ترد في
غير يومها وبحكم الطبع البشري, وتأثير الطالح على الصالح, غلب السفهاء على
أمر ثمود وتآمر ثلاثة نفر على عقرها, رجلان وصبي, والصبي هو من عقر
الناقة, والذي أرجوه من القارئ أن يذكر أن بين المتآمرين صبي صغير, ويرجح
أن ثمود كانت راضية سلفاً بما عقدوا العزم عليه من عقر الناقة.
أمر الفصيل
اختلف المؤرخون في أمر الفصيل, فعند الطبري أن نبي الله صالحاً حين
جاءه خبر عقر ثمود الناقة, خرج إليهم فتبرءوا من عقرها, وقالوا إنما عقرها
فلان فقال أدركوا الفصيل فإن أدركتموه نجوتم من العذاب, فنفر حتى صعد
قارة, فحاولوا اللحاق به فاستطالت القارة حتى بلغت عنان السماء(1), وعند
البعض أنهم قتلوه وجمعوا لحمه على لحم أمه, وروى القرطبي أنه دابة الأرض
التي تخرج في آخر الزمان(2) بين يدي طلوع الشمس من مغربها تكلم الناس,
واستشهد بما رواه أبوا داود الطيالسي عن حذيفة بن أسيد الغفاري في ذكر
الدابة " ولم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام" وقال الرغاء إنما
يكون للإبل, ثم فسر ذلك فقال " وذلك أن الفصيل لما عقرت أمه هرب
فــانــفــتح له حجر فدخل في جوفه, ثم انطبق عليه, فهو فيه حتى يخرج بإذن
الله عزّ وجلّ ", أرجو أن لا تغيب هذه الرواية عن ذهن القارئ.
رحلتي إلى جبل القهر موطن ثمود
لقد قدمت تعريفاً بجبل القهر وكيف أنه كمحيط الدائرة وفي طرفه الغربي
في أعلى قمة منه أرض مستوية أقل من كيلومتر مربع تعرف بالرهوة, وتمثل هامة
القهر التي تتفرع منها سائر الطرقات, ولأننا خرجنا من بيش عصراً بتنا
ليلتنا في الرهوة وبكرنا في الصباح متجهين إلى الشمال الشرقي, ثم انحدرنا
إلى الواديين حيث مزارع محدودة للذرة والدخن, لم أر في خصوبة تربتها, وكنت
منقاداً للفريق المرافق, بسبب عدم معرفتي بالمنطقة وآثارها, ولم تكن قد
تولدت لدي فكرة ما لذلك لم أنتبه للآثار العظيمة حول مزارع الواديين, التي
كانت في الرحـلات الــتـالـية الــكـتـاب الـذي قـرأت مـنـه حـضـارة
ثـمـود, وكـأنـمـا قـولـه تـعـالــى: (( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا
الصَّخْرَ بِالْوَادِ )) مسطور على صفحة الجبل, لقد كانت ثمود تقطع الجبال
العظام لغايات وليس عبثاً, والذي جعلني لم أتنبه لتلك الآثار في تلك
الرحلة مشابهتها لفعل الطبيعة في العين غير الفاحصة, ولأن الفريق كان همه
أن يريني قبراً في ذروة من الجبل, لا يصل إليه إنسان أو حيوان, وكانوا
مشغولين يبحثون عن جواب السؤال: من قبره في ذلك الموضع؟ ووجدت الجواب في
الرحلات التالية في قوله تــعـالى: (( وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا
الصَّخْرَ بِالْوَادِ )), لقد كان الجبل أسفل القبر مقطوعاً كالجدار,
والظاهر أن القبر سبق القطع, وعبثاً حاولت أن أزيل عن أذهان مرافقي
قناعتهم بالأساطير التي تحاك حول القبر, وقد أفلحت فيما بـعـد بعد أن
أقنعتهم أن الكهوف التي يسكنونها, والمنحدرات الصعبة التي يرونها, وغـيرها
وغيرها, بفعل الإنسان لا بفعل الرياح أو المصادفة, وفي تلك الرحلة لم أجد
بداً من السكوت وعدم الرد على أساطير الرجل الخارق الذي صعد ذلك المكان
الذي لا يرتقيه إنسان أو حيوان, وهو في الرمق الأخير, ثم تمدد في قبره,
ووضع سيفه بجواره, واستقبل ملك الموت, وكان همُّ أصحابي في هذه الرحلة أن
أرى ثلاثة مواضع, أثر الناقة ومنحرها, والصخرة التي طبع فيها عاقروها
أكفهم, والجبل الصغير المشقوق الذي يسمع غير بعيد عنه صوت الحوار, لقد
كانوا يسعون وأنا معهم إلى غاية محدودة, لذلك لم أتنبه في طريقنا إلى منحر
الناقة "هكذا اسمه" لأعمال ثمودية, إلاّ في الرحلات التالية, منها عين
إنسان مرسومة في الصخر تنظر إلى القادم من الناحية التي كان فيها مسجد نبي
الله صالح, وذكرتني هذه العين بقوله تعالى في سورة النمل: ((قَالُوا
اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ
أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ )), أظن أن تصويرهم العيون كان من قبيل
التطير, كذلك لم أتنبه إلى أحواض في ربوة بلقع من الأرض, لاهي قرب وادٍ
ولا بئر, وأظنها لاستقبال ماء المطر ولا أدري إن كانت عملت للمسافر أم
للحيوان أم للوحش, أم لكل أولئك, ولأي شأن صنعت فهي دليل ترف ولين عيش
فبينها وبين الوادي مسير دقائق ليس إلاّ, وفجأة انحدرنا في لصب ضيق تحك
مرآتا السيارة في جانبيه, ومن ذلك المضيق نفذنا إلى صخرة الكفوف, وغير
بعيد منها منحر الناقة وأثـر أخـفـافـهـا فـــي الصخر, ومن يرى ذلك المضيق
والموضعين المذكورين آنفاً, يجزم أن عاقري الناقة كمنوا لها عند فم
المضيق, حيث لا تستطيع الهرب, أو الانحراف يميناً أو شمالاً, أو أنهم
أشرفوا عليها من شرفت
2016-04-26, 17:16 من طرف heba1977
» موقع اخبارى مميز
2016-04-12, 14:18 من طرف الخولى
» مكتبه الفنان عبده النزاوي
2016-03-19, 17:08 من طرف حازم هارون
» مكتبه مطرب الكف ياسر رشاد
2016-03-18, 17:51 من طرف حازم هارون
» مكتبه مطرب الكف - رشاد عبد العال - اسوان
2016-03-18, 17:48 من طرف حازم هارون
» يلم دراما الزمن الجميل الرائع - أنا بنت مين, فريد شوقي, ليلى فوزي , حسين رياض
2016-03-13, 10:39 من طرف نعناعه
» فيلم الحرمان فيروز نيللي
2016-03-13, 10:35 من طرف نعناعه
» المسلسل البدوي البريئة
2016-03-13, 10:33 من طرف نعناعه
» مسلسل وضحا وابن عجلان
2016-03-13, 10:32 من طرف نعناعه