مولده ونشأته:
ولد فى 10 يوليو عام 1910م بقرية النخيلة مركز أبو تيج بمحافظة أسيوط .
ذهب الى القاهرة بعد ان تكون فهمه الفطرى للأدب بين الأكواخ والحقول من قرية فى قلب الصعيد التى نشأ وكبر وتكون مزاجه الأدبى فيها تلك هى قرية النخيلة
تعليمه
درس الشاعر محمود حسن إسماعيل بقرية النخيلة حتى حصل على البكالوريا ثم التحق بدار العلوم وتخرج فيها عام 1936م وكان أثناء دراسته ينشر أشعاره فى مجلة الرسالة
إنتاجه الشعرى
لمحمود حسن اسماعيل إنتاج شعرى غزير إذ بلغت دواوينه اثنى عشر ديوانا شعريا مرتبة حسب تاريخ الإصدار كالآتى
أغانى الكوخ سنة 1935م
هكذا أغنى سنة 1937م
أين المفر سنة 1947م
نار وأصفاد سنة 1959م
قاب قوسين سنة 1964م
لابد سنة 1966م
التائهون سنة 1968م
هرير الرزخ سنة 1969م
صلاة ورفض سنة 1970م
نهر الحقيقة سنة 1972م
موسيقا من السر سنة 1978م
صوت من الله سنة 1979م
وفاته
في السابع والعشرين من إبريل سنة 1977م شيع عشاق الشعر والأدب محمود حسن إسماعيل بعد أن نقل جثمانه من الكويت إلى القاهرة وكان فيهم كثير ممن عرفوا صباه وشبابه واستمعوا لشعره قبل أن يلقى في المحافل والندوات وقبل أن يطبع دواوينه والذين عاشوا معه تطلعاته فشيعوا عالما من الشعر الرفيع والمنهج البديع والريادة المبكرة .
دعاء الشرق
يّا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ وَانشُرِي شَمسَكِ فِي كُلِّ سَمَاءِ
ذَكِّـرِيهِ وَاذكُـرِي أيِّامَهُ بِهُدَى الحَــقِّ وَنُــورِ الأنبِيَــــاءِ
يَا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ
كَانَــتِ الدُّنيــــَا ظَلامًا حَـــولَهُ وَهوَ يَهدِي بِخُطَاهُ الحَائِرِينَا
أَرضُــهُ لَم تَعــرِفِ القَيـــدَ وَلا خَفَضَت إلا لِبَارِيهَا الجَبِينَــا
كَيفَ يَمشِي فِي ثَرَاهَا غَاصِبٌ يَملأُ الأُفــقَ جِرَاحًا وَأنِينَـــا
كّيــفَ مِن جَنَّاتِهَا يَجنِي المُنَـى وَنُرَى فِي ظِلِّهَا كَالغُــــرَبَاءِ
يَا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ
أيُّهَا السَّـــائِلُ عَــن رَايَاتِنَـــا لَم تَزل خَفَّاقَةً فِي الشُّــهُبِ
تُشــعِلُ المَــاضِي وَتُذكِي نَارَهُ عِزَّةَ الشَّرقِ وَبَأسَ العَرَبِ
سَيَرَانَا الدَّهرُ نَمضِي خَلفَهَا وَحــدَةً مَشــبُوبَةً بِاللــهَبِ
أُمَمًا شَــتَّى وَلَكِــنَّ العُلَـى جَمَعَتنَـــا أُمّــةٌ يَومَ النِّدَاءِ
يَا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ
نَحنُ شَـــعبٌ عَرَبِيٌّ وَاحِــدٌ ضَمَّهُ فِي حَومَــةِ البَعـــثِ طَرِيقُ
الهُدَى وَالحَقُّ مِن أعلامِهِ وَإبَاءُ الرُّوحِ وَالعَهـــدُ الوَثِيــقُ
أَذَّنَ الفَجــــرُ عَلَى أيَّامِنَــا وَسَرَى فَوقَ رَوَابِيهَا الشُّــرُوقُ
كُلُّ قَيــــدٍ حَولَهُ مِن دَمِنَــا جَذوَةُ تَدعُـــو قُلُوبَ الشُّــــهَدَاءِ
يَا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ
بين الله والإنسان
إن كنت لا تعرف سر دمعة يذرفها الفقير
يسقي بها خريفه العطشان في لهاثه المرير
فيزرع الوهم على جفونه بستانه النضير
ثماره دانية القطاف
ظلاله وارفة الضفاف
لكنها لا شيء حين ينحني ويبسط اليمين
حزينة مسكينة مقـهورة الدعاء والأنين
تقول من حسرتها رباه
يامسرعا في خطوة لله
خفقة قلب تنقذ الحياه
وتخدع المحروم عن أساه
إن كنت لا تبصر هذا السر في خشوعك القرير
فأي شيء نحوه سبابة كذابة تشير
إن كنت لا تسمع سر آهة على فم اليتيم
تسمعها لكنها تمرق من ريائك الرخيم
أنشودة من وتر عاثت عليه رعشة النسيم
يعزفها تلفت سجين
من نظرة شلت على الجبين
يغتالها المـلال والحيرة والتوجـع الدفين
ويشتكي إباؤها الشقي من سخرية العيون
يصيح من أغلاله رباه
يامسرعا في خطوة لله
خفقة قلب تنقذ الحياة
قبل اتجاه الخطو للصلاة
إن كنت لاتسمع هذا السر في بكائه الأليم
فأي رب نحوه اتجهت في سجودك العظيم
***********
إن كنت لاتدري بأن الله لم يظللك في نعمته
إلا لتمتد بها للبائس المحروم من لقمته
لكل كف شلها البغي لتنساب إلى نظرته
وتغتدي بوجهه الرحيق
يلعق منه زيفك العريق
ويترك الإحساس بالإنسان في إيمائها الحزين
متاهة صماء رن فوقها تفجع السنين
يصيح من أساه يارباه
ياساجدا بوجهه لله
يامغرق الوجوه في تقاه
وسابحا بالزورفي هداه
إن كنت لم تدر ضياء الله فيم شع من رحمته
فكيف يازور ال فكيف يازور التقى كفنت هذا السر في سجدته
النهر الخالد
مسافر زاده الخيال والسحر والعطر والظـــــلال
ظمأن والكأس فى يديه والحب والفن والجمــــــال
شابت على أرضه الليالى وضيعت عمرها الجبالى
ولم يزل ينشد الدياراويسأل الليل والنهـــــــــــــارا
والناس فى حبه سكارى هاموا على شطه الرحيب
أاااااااه على سرك الرهيب وموجك التائه الغريب
يا نيل يا ساحر الغيوب
يا واهب الخلد للزمان ياساقى الحب والاغانــــــــى
هاتى اسقنى واسقنى ودعنى أهيم كالطير فى الجنان
ياليتنى موجة فأحكى إلى لياليك ما شجانـــــــــــــى
وأغتدى للرياح جارا وأسكب النورللحيــــــــــارى
فإن كوانى الهوى وطارا كانت رياح الدجى طبيبى
أااااااه على سرك الرهيب وموجك التائه الغريــب
يا نيل ياساحر الغيوب
سمعت فى شطك الجميل مقالة الريح للنخـيـــــــــــل
يسبح الطير أم يغنى ويشرح الحب للخميـــــــــــــــل
وأغصنن تلك أم صبايا شربن من خمرة الاصيــــــل
وزورق بالحنين سارا أم هذه فرحة العــــــــــــــذارى
تجرى وتجرى هواك نارا حملت من سحرها نصيــبى
ااااااااه ااااااااه على سرك الرهيب وموجك التائه الغريب
يانيل ياساحر الغيوب
المسلمون
من هؤلاء التائهونْ الخابطون على iiالتخومْ؟
أعْشى خُطا أبصارِهم رَهَجُ الزوابعِ والغيومْ ii..
والليل ينفُضُ فوقَهم من يأسِهِ قلقَ النجومْ
ويسوقهم زُمَراً إلى حفرٍ مُولولةِ الرُّجومْ
السَّوط يُرْفِل حولَها والموتُ أنْسُرُه تحومْ
والقيد يَخْصِفُ من iiصدو رِهِمُ المذَّلةَ والهمومْ
ويسومُهُم من عَسْفِهِ ولَظَاهُ أبشعُ ما يسومْ
فإذا غفَوا .. فعلى موا طئ كل جلادٍ غَشومْ
وإذا صحوا فعلى خُطاً للذُّلِّ خاشعةَ الرُّسومْ
من هؤلاء الضائعون؟ أفهؤلاء المسلمونْ؟!
أبدا!! تُكذِّبُني، وتر جُمني الحقائقُ والظُّنونْ ..
أبداً .. وكيف؟ وفي يمينِهُمُ كتابٌ لا يهونْ
أبداً .. وكيف ودون iiسطـ ـوتِهِ وتَنْتَحَرُ القُرونْ
ويَبيدُ طغيانَ العُتا ةِ، ويَهلِكُ المتجبرونْ
ويخِرُّ بين يديه مِن وهجِ الضياءِ الغاشِمونْ
الفاسدون، المُفسدون الظالمون، المُظْلِمونْ
الشَّاربون الدَّمعَ ممن في المجازرِ يصرخونْ
السائقون الخلق َكا لقُطعانِ ساجدةَ العيونْ
مبهورةً، منهورةً بالسوطِ، تجهلُ ما يكونْ
بلهاءَ، روَّعها الصَّدى واجتاح قِينَتَها الجُنونْ
وأحالَها عدماً يُكبِّر للرَّدى .. لو تسمعونْ!
مَنْ هؤلاءِ الخانِعونْ أفهؤلاءِ المُسلمونْ؟!
أبدا!! تُكذِّبُني، وتر جُمني الحقائقُ والظُّنونْ ..
أنا منهُمُ .. لكنني نَغَمٌ بِسَمْعِهمُ شريدْ
ربَضَت به الأصفادُ .. iiبل طَحَنَته غمغمةُ العبيدْ
وجُؤَارُ شرقٍ مبدىءٍ بأنينِ أمَّتِهِ مُعيدْ
أبكي عليهم .. أم عَلَى غلٍّ يكَبِّلني شديدْ!
إنا هجرنا الله ... هِجْرَتُنا لشيطانٍ مريدْ
عاتٍ تروِّضُنا حضا رُته لكل هوى مُبيدْ
ولكلِّ من يُحيي لنا الإسلامَ في كفنٍ جديدْ ii..
نسجَته أخْيلَةُ العصورِ السُّودِ مُذْ زمنٍ بعيدْ
لِتُحيلَ دِينَ 'محمدٍ' وهماً على نعشٍ مجيدْ
وإذا الجِنازَةُ لوعةٌ حَرَّى مشَيِّعُها سعيدْ
مَنْ هؤلاءِ الهالكونْ أفهؤلاءِ المسلمونْ؟!
أبدا!! تُكذِّبُني، وتر جُمني الحقائقُ والظُّنونْ ..
من كان للإسلامِ، فليضربْ بمعولِهِ الفسادْ
فيصيحُ باللصِّ العَتيِّ : كفاكَ مِن شِبَعٍ وزادْ
ويصيحُ بالفاسق : إيَّاكُم وأعراضَ العِبادْ
ويصيحُ بالطَّاغينَ : أسرفتُمْ، لكُلِّ مَدىً نفادْ
ويصيحُ بالباغينَ : ويحَكُمُ، لقد ذهبَ الرُّقادْ
ويصيحُ بالغاوينَ : وَيلَكُمُ، إذا حان الحَصادْ
وطواكُمُ حدُّ المناجِلِ : بين أذرُعِهِ الشِّدادْ
ونظرتُمُ .. فإذا الظَّلامُ عليكُمُ حَنِقُ السَّواد
ريحٌ مصر صرة الزئيرِ كأختِها في يومِ 'عادْ'
تَسقيكُمُ من ويلِه وخرابِها حُمَمَ الرَّشادْ ii..
مَنْ هؤلاءِ الصَّاغرونْ أفهؤلاءِ المسلمونْ؟!
التائِبونَ، العابدونَ، الراكعونَ، الساجدونْ!!!
نداء العطر
حبيبى, سرى العطر فى الشاطئين
وحدثنى عنك فى همســتيــــن
وقال: لقد كان قبل الشروق
يفتش فى الروض عن وردتين
وحين يطل الأصيل الجميل
يغّنى مع الطير فى الضفتين
ويمشى مع الحبّ بين الزهور
يصافح أحلامه باليدين
حبيبى! وظلّ ينادى عليك,
ويسأل: فى أىَّ درب خطاكا؟
وفى أىَّ روض تُلاقى الرّبيعَ؟
ويسقيه من أىَّ نبعٍ هواكا؟
لقد فَّتح الورد للعاشقين
وفى سربهم عينُه لا تراكا
وغنىَّ على النهر موج الحياة
ومازال يشدو, ويدعو لِقاكا
***
وقال لى النهر عند الأصيل:
لقد مرّ بالأمس فى ضفّتى
يُحدق ظمآن فى كل أفق
إلى الحب والسحر والبهجة..
فساءلت عنك طلالَ النخيل
وتابعتُ خطوك فى الروضة
فباح بسرّك عطرُ الزهور
ونَّمت عليك خطا النّسمة
***
حبيبى ومازال ناى الرّبيع
يردّد للحب أنغامنا
ويروى حكاياتنا للطيور
ويشرح للزهر أحلامنا..
غزا النور كلّ دروب الحياة
فهياّ نودع أوهامنا
ونحيا, ونحيا.. إلى أن نعيد
إلى معبد الحب أيامنا
ان شعر محمود حسن اسماعيل لهو الشعر ذو الخصوصية فى المذاق، فكلماته أنغام ، ووقفاته تأملات وفى الحب لهى محطات الغرام والهيام، فمن عبير مصر بصعيدها المتراكم خلف طقوس العبادات الفرعونية القديمة، وريفها الذى يهفهف بروائح الأصالة ، واسلاميتها التى شقت فيها أنهار اللغة العربية فتراكبت التصاوير والتشبيهات امتزاجا" بنفوس عابرة بمدن الخيال تمتح من عند جدرانها ، ومن معين العاطفة ماتختزله المشاعر فى قصائد ، تتندى بالانسانية والحب .
عل مايمكن الوقوف عليه من شعر محمود حسن اسماعيل الى جانب تفرده بالقاموس الخاص بأشعاره، تلك الروح المصرية السارحة ببعديها الزمانى والمكانى اصطداما" وارتطاما" ، بغوص فى الأعماق ، لالمجرد التعرض للسطحيات أو العرضيات فى الأمور، فهو الى جانب تمكنه من هذا كله كغيره من الشعراء يبرز تفرده من خلال كلماته التى تعكس تغلغلا" بالوجدان الانسانى، بمقدرة قلما يوفرها احساس شاعر اّخر لو تناول ذات الموضوع.
فهو الشاعر الشمولى اذن للظاهر والكامن بالوجدان، فى اطار تجاربى كونى ، فحقا" قيل عنه أنه شاعر ماوراء الجزئيات والمنعزل والمنظور ، فهو شاعر البصيرة النافذة، يرى من زوايا عدة ، ليخرج لنا من متاهات الصورة ألف لون ولون غير الذى تدركه الأعين ، فتكثر التنويعات وتتعدد المحطات بالوجه أو الوجهة الواحدة التى يتناول بها موضوعه.
وهو اذ يضع أيدينا على حائط مبكاه دون خجل أو جزع أو وجل نجده يقول:
أنا والناى والحياة
وسر فى طوايا النفس يخفيه برقع!
كلما سله شعاعى من الليل
على موضع...يداريه موضع
لست فى حيرة، ولافى وقوف
فمع الله نظرتى تتطلع
كلما فر طائر حاصرته
فأتاه من حالك التيه يخشع
هدأة...وانطلاقة
واذا النور على الدرب
يستهل ....ويسطع...,,
ومن هذه الى عنوان دواوينه التى كتبها ، يمكن أن نقف أو لانقف على الوجهة أو نسأل الى أين وجهة هذا الشاعر الملاح ، والمغامر ، الذاهب بكامل ارادته الى أحضان المجهول.
فقد ترك لنا محمود حسن اسماعيل الدواوين الاّتية:
*قاب قوسين.
*لابد.
*صلاة ورفض.
*نهر الحقيقة.
*هدير البرزخ.
*هكذا أغنى.
*أغانى الكوخ.
*أين المفر.
*نار وأصفاد.
*التائهون.
*وموسيقى من السر ، وهو الديوان الذى صدر بعد رحيله.
ومن ديوانه <هكذا أغنى> كانت قصيدته أقبلى كالصلاة، موضوع العرض، من أحلى عشرين قصيدة فى الحب بشعر العرب.
يقول الأستاذ فاروق شوشة: ان السبب فى اختيار هذه القصيدة بالذات كونها لم تكن من ديوانه أين المفر الذى يعرض لكامل تجربته فى حبه العظيم ، هذا الحب الذى عصف به الشك فدمر جدران
معبده، وزلزل قوائم محاريبه..، وهى أيضا" ليست من شعره الأخير الذى يتاّذر فيه نضج التجربة
واكتمال أدوات الشاعر ، وفى وقت خفف الشاعر عن نفسه الخشونة والقسوة مع نفسه ومع الحياة .
اذن فهى القصيدة التى اصطبغت بالطابع الخاص عن شاعر أشد خصوصية بتعبيره وألوانه ومنتدياته التى يسيح فيها ، وهى القصيدة المزمور ، الذى نناشده فيما بيننا ، ونترنم بايقاعاته وموسيقاه الممتدة الطويلة النفس، ثم هى القصيدة التى تخطفنا عبر لوحاتها الشعورية المتتابعة ،
من الزورق الشريد الحيران..وحتى حفيف السنابل الساكبة الشعر الهامس المجنح...,,
فماذا قال محمودحسن اسماعيل فى ابداعيته< أقبلى كالصلاة>؟...
أقبلى كالصلاة، رقرقها النسك
بمحراب عابد متبتل
أقبلى اّية من الله عليا
زفها للوجود وحى منزل
أقبلى...
فالجراح ظمأى، وكأس الحب ثكلى
والشعر ناى معطل
أنت لحن على فمى عبقرى
وأنا فى حدائق الله بلبل
أقبلى...،
قبل أن تميل بنا الريح
ويهوى بنا الفناء المعجل
زورقى فى الوجود حيران شاك
مثقل باسى
شريد....مضلل...,,
أزعجته الرياح، واغتاله الليل
بجنح من الدياجير مسبل
فهو فى ثورة الخضم غريب
خلط النوح بالمنى وتنقل
أقبلى ياغرام روحى
فالشط بعيد
والروح باليأس مثقل
وغمام الحياة أعشى سوادى
ونور المنى بقلبى ترحل
أنا ميت تغافل القبر عنى
وهو ان يدر شقوتى ماتمهل
فاسكبى لى السنا
وطوفى بنعشى
ينعش الروح سحرك المتهلل
أنت نبعى وأيكتى وظلالى
وخميلى وجدولى المتسلسل
أنت لى واحة أفئ اليها
وهجير الأسى بجنبى مشعل
أنت ترنيمة الهدوء بشعرى
وأنا الشاعر الحزين المبلبل
أنت تهويدة الخيال لأحزانى
بأطياف نورها
أتعلل
أنت كأسى وكرمتى ومدامى
والطلا من يديك سكر محلل
أنت فجرى على الحقول
حياة..، وصلاة..،
ونشوة...، وتهلل..،
أنت تغريدة الخلود بألحانى
وشعر الحياة لغو مهلل
أنت طيف الغيوب رفرف بالرحمة
والطهر والهدى
والتبتل
أنت لى توبة اذا زل عمرى
وصحا الاثم فى دمى
وتململ
أنت لى رحمة براها شعاع
هل من أعين السما
وتنزل
أنت لى زهرة على شاطئ الأحلام
تروى بمهجتى
وتظلل
أنت شعر الأنسام وسوست الفجر
وذابت على حفيف السنبل
أنت سحر الغروب
بل موجة الاشراق
عن سحرها جنانى يسأل
أنت صفو الظلال
تسبح فى النهر
وتلهو على ضفاف الجدول
أنت عيد الأطيار فوق الروابى
فالربيع للطير أقبل
أنت هولى...،
وحيرتى..،،
وجنونى...،
يوم للحسن زهوة وتدلل
أنت دير الهوى
وشعرى صلاة
لك طابت ضراعتى والتذلل
أنت نبع من الحنان
عليه أطرق الفن..،
ضارعا" يتوسل..،
أعين للخشوع تغرى
فخليها على لوعتى
تغض وتسبل
واتركيها وسحرها يتمادى
علما<بابل>
بنجواه تشغل
هو فنى وملهمى...،
فابعثيه
فهو من زهوه شحيح
مبخل..،
يتغافى عن الجفون فان ناجيته
لج فى الكرى وتوغل
وانتشى من سناك وانساب
فى الحياة
يحسو الضياء منه وينهل
وانبرى من جفونك البيض كالأقدار
يردى كما يشاء
ويقتل
ليت لى من صراعه كل يوم
غزوة فى سكون قلبى تجلجل
ولك الصوت ناعما" عاده الشوق
فأضحى حنينه يترسل
نبرات كأنها شجو الأوتار
فى عود عاشق مترحل
أو حفيف الاّذان فى مسمع الفجر
ندى الصدى
شذى المنهل
أو غناء الظلال فى خاطر الغدران
شعر فى الصمت
عان مكبل
أو نشيد أذابه الأفق النائى
وغناه خاطرى المتأمل
ولك البسمة الوديعة طهر
وصفاء
وصبوة
وتغزل
لذة الهمس فى دمى تنقل الروح
لواد بصفو عمرى مظلل
فاسكبيها على جنانى وخلى
سحرها
فى مشاعرى
يتهدل
ولك الهدأة التى تغمر الحس
فيروى من الكون
ويثمل
واحة للجمال ، قلبى فيها
من أسى الدهر ناسك
متعزل
علمتنى ظلالها كيف أنسى
صخب الوهم
وهو عصف مزلزل
ولك العفة التى عاد منها
<مريمى> الستور
فوقك مسبل
فتعالى
نغيب عن ضجة الدنيا
ونمضى عن الوجود ونرحل
والى عشنا الجميل
ففيه
هزج للهوى
وظل ..وسلسل..،
وعصافير للمنى تتغنى
بالترانيم
بين عشب وجدول
وغرام مقدس كاد يضوى
نوره العذب فى سمانا
ويشعل
ووفاء يكاد يسطع للدنيا
بشرع الى المحبين
مرسل
عاد للعش كل طير
ولم يبق سوى طائر شريد
مخبل
هو قلبى الذى تناسيت بلواه
فأضحى على الجراح
يولول
أقبلى...،
قبل أن تميل به الريح
ويهوى به الفناء
المعجل
أقبلى...،
فالجراح ظمأى ،
وكأس الحب ثكلى
والشعر ناى
معطل..,,
واذ كانت هذه القصيدة بالترتيب الزمنى لأحلى عشرين قصيدة بالشعر العربى <للحب>،هى الأخيرة
وهكذا جاءت بافراد الشاعر العذب الصوت، الرخيم الايقاع
الأستاذ الشاعر المرموق /فاروق شوشة..،
واذ كان اختياره لها من بين قصائد الشاعر الملاح المغامر الانسان/
محمود حسن اسماعيل لاعتبارات عدة منها أنها كانت أول قصيدة تقع بين وجدانه لهذا الشاعر، ومن بين دواوينه..،
فمن رأى شخصى، تعد هذه القصيدة بالنسبة لى
هوية مصرية خالصة المشاعر،
ولوحة ضاربة الاشراق والغروب،
ففيها كل المحطات التى يقف عندها ولها العاشق،
ففيها النداء، وفيها الوصف، وفيها البدء والانتهاء
مشوبة بحنين المشاعر،
وبديع الكلمات التى كأنها تنطق بذات احساسها،
وهى النبراس لكل تجربة متفردة
وهى الأجراس الشاردة
بفضاء الحب الواسع...,,
رحم الله شاعر الكوخ
محمود حسن اسماعيل
ولد فى 10 يوليو عام 1910م بقرية النخيلة مركز أبو تيج بمحافظة أسيوط .
ذهب الى القاهرة بعد ان تكون فهمه الفطرى للأدب بين الأكواخ والحقول من قرية فى قلب الصعيد التى نشأ وكبر وتكون مزاجه الأدبى فيها تلك هى قرية النخيلة
تعليمه
درس الشاعر محمود حسن إسماعيل بقرية النخيلة حتى حصل على البكالوريا ثم التحق بدار العلوم وتخرج فيها عام 1936م وكان أثناء دراسته ينشر أشعاره فى مجلة الرسالة
إنتاجه الشعرى
لمحمود حسن اسماعيل إنتاج شعرى غزير إذ بلغت دواوينه اثنى عشر ديوانا شعريا مرتبة حسب تاريخ الإصدار كالآتى
أغانى الكوخ سنة 1935م
هكذا أغنى سنة 1937م
أين المفر سنة 1947م
نار وأصفاد سنة 1959م
قاب قوسين سنة 1964م
لابد سنة 1966م
التائهون سنة 1968م
هرير الرزخ سنة 1969م
صلاة ورفض سنة 1970م
نهر الحقيقة سنة 1972م
موسيقا من السر سنة 1978م
صوت من الله سنة 1979م
وفاته
في السابع والعشرين من إبريل سنة 1977م شيع عشاق الشعر والأدب محمود حسن إسماعيل بعد أن نقل جثمانه من الكويت إلى القاهرة وكان فيهم كثير ممن عرفوا صباه وشبابه واستمعوا لشعره قبل أن يلقى في المحافل والندوات وقبل أن يطبع دواوينه والذين عاشوا معه تطلعاته فشيعوا عالما من الشعر الرفيع والمنهج البديع والريادة المبكرة .
دعاء الشرق
يّا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ وَانشُرِي شَمسَكِ فِي كُلِّ سَمَاءِ
ذَكِّـرِيهِ وَاذكُـرِي أيِّامَهُ بِهُدَى الحَــقِّ وَنُــورِ الأنبِيَــــاءِ
يَا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ
كَانَــتِ الدُّنيــــَا ظَلامًا حَـــولَهُ وَهوَ يَهدِي بِخُطَاهُ الحَائِرِينَا
أَرضُــهُ لَم تَعــرِفِ القَيـــدَ وَلا خَفَضَت إلا لِبَارِيهَا الجَبِينَــا
كَيفَ يَمشِي فِي ثَرَاهَا غَاصِبٌ يَملأُ الأُفــقَ جِرَاحًا وَأنِينَـــا
كّيــفَ مِن جَنَّاتِهَا يَجنِي المُنَـى وَنُرَى فِي ظِلِّهَا كَالغُــــرَبَاءِ
يَا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ
أيُّهَا السَّـــائِلُ عَــن رَايَاتِنَـــا لَم تَزل خَفَّاقَةً فِي الشُّــهُبِ
تُشــعِلُ المَــاضِي وَتُذكِي نَارَهُ عِزَّةَ الشَّرقِ وَبَأسَ العَرَبِ
سَيَرَانَا الدَّهرُ نَمضِي خَلفَهَا وَحــدَةً مَشــبُوبَةً بِاللــهَبِ
أُمَمًا شَــتَّى وَلَكِــنَّ العُلَـى جَمَعَتنَـــا أُمّــةٌ يَومَ النِّدَاءِ
يَا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ
نَحنُ شَـــعبٌ عَرَبِيٌّ وَاحِــدٌ ضَمَّهُ فِي حَومَــةِ البَعـــثِ طَرِيقُ
الهُدَى وَالحَقُّ مِن أعلامِهِ وَإبَاءُ الرُّوحِ وَالعَهـــدُ الوَثِيــقُ
أَذَّنَ الفَجــــرُ عَلَى أيَّامِنَــا وَسَرَى فَوقَ رَوَابِيهَا الشُّــرُوقُ
كُلُّ قَيــــدٍ حَولَهُ مِن دَمِنَــا جَذوَةُ تَدعُـــو قُلُوبَ الشُّــــهَدَاءِ
يَا سَمَاءَ الشَّرقِ طُوفِي بِالضِّيَاءِ
بين الله والإنسان
إن كنت لا تعرف سر دمعة يذرفها الفقير
يسقي بها خريفه العطشان في لهاثه المرير
فيزرع الوهم على جفونه بستانه النضير
ثماره دانية القطاف
ظلاله وارفة الضفاف
لكنها لا شيء حين ينحني ويبسط اليمين
حزينة مسكينة مقـهورة الدعاء والأنين
تقول من حسرتها رباه
يامسرعا في خطوة لله
خفقة قلب تنقذ الحياه
وتخدع المحروم عن أساه
إن كنت لا تبصر هذا السر في خشوعك القرير
فأي شيء نحوه سبابة كذابة تشير
إن كنت لا تسمع سر آهة على فم اليتيم
تسمعها لكنها تمرق من ريائك الرخيم
أنشودة من وتر عاثت عليه رعشة النسيم
يعزفها تلفت سجين
من نظرة شلت على الجبين
يغتالها المـلال والحيرة والتوجـع الدفين
ويشتكي إباؤها الشقي من سخرية العيون
يصيح من أغلاله رباه
يامسرعا في خطوة لله
خفقة قلب تنقذ الحياة
قبل اتجاه الخطو للصلاة
إن كنت لاتسمع هذا السر في بكائه الأليم
فأي رب نحوه اتجهت في سجودك العظيم
***********
إن كنت لاتدري بأن الله لم يظللك في نعمته
إلا لتمتد بها للبائس المحروم من لقمته
لكل كف شلها البغي لتنساب إلى نظرته
وتغتدي بوجهه الرحيق
يلعق منه زيفك العريق
ويترك الإحساس بالإنسان في إيمائها الحزين
متاهة صماء رن فوقها تفجع السنين
يصيح من أساه يارباه
ياساجدا بوجهه لله
يامغرق الوجوه في تقاه
وسابحا بالزورفي هداه
إن كنت لم تدر ضياء الله فيم شع من رحمته
فكيف يازور ال فكيف يازور التقى كفنت هذا السر في سجدته
النهر الخالد
مسافر زاده الخيال والسحر والعطر والظـــــلال
ظمأن والكأس فى يديه والحب والفن والجمــــــال
شابت على أرضه الليالى وضيعت عمرها الجبالى
ولم يزل ينشد الدياراويسأل الليل والنهـــــــــــــارا
والناس فى حبه سكارى هاموا على شطه الرحيب
أاااااااه على سرك الرهيب وموجك التائه الغريب
يا نيل يا ساحر الغيوب
يا واهب الخلد للزمان ياساقى الحب والاغانــــــــى
هاتى اسقنى واسقنى ودعنى أهيم كالطير فى الجنان
ياليتنى موجة فأحكى إلى لياليك ما شجانـــــــــــــى
وأغتدى للرياح جارا وأسكب النورللحيــــــــــارى
فإن كوانى الهوى وطارا كانت رياح الدجى طبيبى
أااااااه على سرك الرهيب وموجك التائه الغريــب
يا نيل ياساحر الغيوب
سمعت فى شطك الجميل مقالة الريح للنخـيـــــــــــل
يسبح الطير أم يغنى ويشرح الحب للخميـــــــــــــــل
وأغصنن تلك أم صبايا شربن من خمرة الاصيــــــل
وزورق بالحنين سارا أم هذه فرحة العــــــــــــــذارى
تجرى وتجرى هواك نارا حملت من سحرها نصيــبى
ااااااااه ااااااااه على سرك الرهيب وموجك التائه الغريب
يانيل ياساحر الغيوب
المسلمون
من هؤلاء التائهونْ الخابطون على iiالتخومْ؟
أعْشى خُطا أبصارِهم رَهَجُ الزوابعِ والغيومْ ii..
والليل ينفُضُ فوقَهم من يأسِهِ قلقَ النجومْ
ويسوقهم زُمَراً إلى حفرٍ مُولولةِ الرُّجومْ
السَّوط يُرْفِل حولَها والموتُ أنْسُرُه تحومْ
والقيد يَخْصِفُ من iiصدو رِهِمُ المذَّلةَ والهمومْ
ويسومُهُم من عَسْفِهِ ولَظَاهُ أبشعُ ما يسومْ
فإذا غفَوا .. فعلى موا طئ كل جلادٍ غَشومْ
وإذا صحوا فعلى خُطاً للذُّلِّ خاشعةَ الرُّسومْ
من هؤلاء الضائعون؟ أفهؤلاء المسلمونْ؟!
أبدا!! تُكذِّبُني، وتر جُمني الحقائقُ والظُّنونْ ..
أبداً .. وكيف؟ وفي يمينِهُمُ كتابٌ لا يهونْ
أبداً .. وكيف ودون iiسطـ ـوتِهِ وتَنْتَحَرُ القُرونْ
ويَبيدُ طغيانَ العُتا ةِ، ويَهلِكُ المتجبرونْ
ويخِرُّ بين يديه مِن وهجِ الضياءِ الغاشِمونْ
الفاسدون، المُفسدون الظالمون، المُظْلِمونْ
الشَّاربون الدَّمعَ ممن في المجازرِ يصرخونْ
السائقون الخلق َكا لقُطعانِ ساجدةَ العيونْ
مبهورةً، منهورةً بالسوطِ، تجهلُ ما يكونْ
بلهاءَ، روَّعها الصَّدى واجتاح قِينَتَها الجُنونْ
وأحالَها عدماً يُكبِّر للرَّدى .. لو تسمعونْ!
مَنْ هؤلاءِ الخانِعونْ أفهؤلاءِ المُسلمونْ؟!
أبدا!! تُكذِّبُني، وتر جُمني الحقائقُ والظُّنونْ ..
أنا منهُمُ .. لكنني نَغَمٌ بِسَمْعِهمُ شريدْ
ربَضَت به الأصفادُ .. iiبل طَحَنَته غمغمةُ العبيدْ
وجُؤَارُ شرقٍ مبدىءٍ بأنينِ أمَّتِهِ مُعيدْ
أبكي عليهم .. أم عَلَى غلٍّ يكَبِّلني شديدْ!
إنا هجرنا الله ... هِجْرَتُنا لشيطانٍ مريدْ
عاتٍ تروِّضُنا حضا رُته لكل هوى مُبيدْ
ولكلِّ من يُحيي لنا الإسلامَ في كفنٍ جديدْ ii..
نسجَته أخْيلَةُ العصورِ السُّودِ مُذْ زمنٍ بعيدْ
لِتُحيلَ دِينَ 'محمدٍ' وهماً على نعشٍ مجيدْ
وإذا الجِنازَةُ لوعةٌ حَرَّى مشَيِّعُها سعيدْ
مَنْ هؤلاءِ الهالكونْ أفهؤلاءِ المسلمونْ؟!
أبدا!! تُكذِّبُني، وتر جُمني الحقائقُ والظُّنونْ ..
من كان للإسلامِ، فليضربْ بمعولِهِ الفسادْ
فيصيحُ باللصِّ العَتيِّ : كفاكَ مِن شِبَعٍ وزادْ
ويصيحُ بالفاسق : إيَّاكُم وأعراضَ العِبادْ
ويصيحُ بالطَّاغينَ : أسرفتُمْ، لكُلِّ مَدىً نفادْ
ويصيحُ بالباغينَ : ويحَكُمُ، لقد ذهبَ الرُّقادْ
ويصيحُ بالغاوينَ : وَيلَكُمُ، إذا حان الحَصادْ
وطواكُمُ حدُّ المناجِلِ : بين أذرُعِهِ الشِّدادْ
ونظرتُمُ .. فإذا الظَّلامُ عليكُمُ حَنِقُ السَّواد
ريحٌ مصر صرة الزئيرِ كأختِها في يومِ 'عادْ'
تَسقيكُمُ من ويلِه وخرابِها حُمَمَ الرَّشادْ ii..
مَنْ هؤلاءِ الصَّاغرونْ أفهؤلاءِ المسلمونْ؟!
التائِبونَ، العابدونَ، الراكعونَ، الساجدونْ!!!
نداء العطر
حبيبى, سرى العطر فى الشاطئين
وحدثنى عنك فى همســتيــــن
وقال: لقد كان قبل الشروق
يفتش فى الروض عن وردتين
وحين يطل الأصيل الجميل
يغّنى مع الطير فى الضفتين
ويمشى مع الحبّ بين الزهور
يصافح أحلامه باليدين
حبيبى! وظلّ ينادى عليك,
ويسأل: فى أىَّ درب خطاكا؟
وفى أىَّ روض تُلاقى الرّبيعَ؟
ويسقيه من أىَّ نبعٍ هواكا؟
لقد فَّتح الورد للعاشقين
وفى سربهم عينُه لا تراكا
وغنىَّ على النهر موج الحياة
ومازال يشدو, ويدعو لِقاكا
***
وقال لى النهر عند الأصيل:
لقد مرّ بالأمس فى ضفّتى
يُحدق ظمآن فى كل أفق
إلى الحب والسحر والبهجة..
فساءلت عنك طلالَ النخيل
وتابعتُ خطوك فى الروضة
فباح بسرّك عطرُ الزهور
ونَّمت عليك خطا النّسمة
***
حبيبى ومازال ناى الرّبيع
يردّد للحب أنغامنا
ويروى حكاياتنا للطيور
ويشرح للزهر أحلامنا..
غزا النور كلّ دروب الحياة
فهياّ نودع أوهامنا
ونحيا, ونحيا.. إلى أن نعيد
إلى معبد الحب أيامنا
ان شعر محمود حسن اسماعيل لهو الشعر ذو الخصوصية فى المذاق، فكلماته أنغام ، ووقفاته تأملات وفى الحب لهى محطات الغرام والهيام، فمن عبير مصر بصعيدها المتراكم خلف طقوس العبادات الفرعونية القديمة، وريفها الذى يهفهف بروائح الأصالة ، واسلاميتها التى شقت فيها أنهار اللغة العربية فتراكبت التصاوير والتشبيهات امتزاجا" بنفوس عابرة بمدن الخيال تمتح من عند جدرانها ، ومن معين العاطفة ماتختزله المشاعر فى قصائد ، تتندى بالانسانية والحب .
عل مايمكن الوقوف عليه من شعر محمود حسن اسماعيل الى جانب تفرده بالقاموس الخاص بأشعاره، تلك الروح المصرية السارحة ببعديها الزمانى والمكانى اصطداما" وارتطاما" ، بغوص فى الأعماق ، لالمجرد التعرض للسطحيات أو العرضيات فى الأمور، فهو الى جانب تمكنه من هذا كله كغيره من الشعراء يبرز تفرده من خلال كلماته التى تعكس تغلغلا" بالوجدان الانسانى، بمقدرة قلما يوفرها احساس شاعر اّخر لو تناول ذات الموضوع.
فهو الشاعر الشمولى اذن للظاهر والكامن بالوجدان، فى اطار تجاربى كونى ، فحقا" قيل عنه أنه شاعر ماوراء الجزئيات والمنعزل والمنظور ، فهو شاعر البصيرة النافذة، يرى من زوايا عدة ، ليخرج لنا من متاهات الصورة ألف لون ولون غير الذى تدركه الأعين ، فتكثر التنويعات وتتعدد المحطات بالوجه أو الوجهة الواحدة التى يتناول بها موضوعه.
وهو اذ يضع أيدينا على حائط مبكاه دون خجل أو جزع أو وجل نجده يقول:
أنا والناى والحياة
وسر فى طوايا النفس يخفيه برقع!
كلما سله شعاعى من الليل
على موضع...يداريه موضع
لست فى حيرة، ولافى وقوف
فمع الله نظرتى تتطلع
كلما فر طائر حاصرته
فأتاه من حالك التيه يخشع
هدأة...وانطلاقة
واذا النور على الدرب
يستهل ....ويسطع...,,
ومن هذه الى عنوان دواوينه التى كتبها ، يمكن أن نقف أو لانقف على الوجهة أو نسأل الى أين وجهة هذا الشاعر الملاح ، والمغامر ، الذاهب بكامل ارادته الى أحضان المجهول.
فقد ترك لنا محمود حسن اسماعيل الدواوين الاّتية:
*قاب قوسين.
*لابد.
*صلاة ورفض.
*نهر الحقيقة.
*هدير البرزخ.
*هكذا أغنى.
*أغانى الكوخ.
*أين المفر.
*نار وأصفاد.
*التائهون.
*وموسيقى من السر ، وهو الديوان الذى صدر بعد رحيله.
ومن ديوانه <هكذا أغنى> كانت قصيدته أقبلى كالصلاة، موضوع العرض، من أحلى عشرين قصيدة فى الحب بشعر العرب.
يقول الأستاذ فاروق شوشة: ان السبب فى اختيار هذه القصيدة بالذات كونها لم تكن من ديوانه أين المفر الذى يعرض لكامل تجربته فى حبه العظيم ، هذا الحب الذى عصف به الشك فدمر جدران
معبده، وزلزل قوائم محاريبه..، وهى أيضا" ليست من شعره الأخير الذى يتاّذر فيه نضج التجربة
واكتمال أدوات الشاعر ، وفى وقت خفف الشاعر عن نفسه الخشونة والقسوة مع نفسه ومع الحياة .
اذن فهى القصيدة التى اصطبغت بالطابع الخاص عن شاعر أشد خصوصية بتعبيره وألوانه ومنتدياته التى يسيح فيها ، وهى القصيدة المزمور ، الذى نناشده فيما بيننا ، ونترنم بايقاعاته وموسيقاه الممتدة الطويلة النفس، ثم هى القصيدة التى تخطفنا عبر لوحاتها الشعورية المتتابعة ،
من الزورق الشريد الحيران..وحتى حفيف السنابل الساكبة الشعر الهامس المجنح...,,
فماذا قال محمودحسن اسماعيل فى ابداعيته< أقبلى كالصلاة>؟...
أقبلى كالصلاة، رقرقها النسك
بمحراب عابد متبتل
أقبلى اّية من الله عليا
زفها للوجود وحى منزل
أقبلى...
فالجراح ظمأى، وكأس الحب ثكلى
والشعر ناى معطل
أنت لحن على فمى عبقرى
وأنا فى حدائق الله بلبل
أقبلى...،
قبل أن تميل بنا الريح
ويهوى بنا الفناء المعجل
زورقى فى الوجود حيران شاك
مثقل باسى
شريد....مضلل...,,
أزعجته الرياح، واغتاله الليل
بجنح من الدياجير مسبل
فهو فى ثورة الخضم غريب
خلط النوح بالمنى وتنقل
أقبلى ياغرام روحى
فالشط بعيد
والروح باليأس مثقل
وغمام الحياة أعشى سوادى
ونور المنى بقلبى ترحل
أنا ميت تغافل القبر عنى
وهو ان يدر شقوتى ماتمهل
فاسكبى لى السنا
وطوفى بنعشى
ينعش الروح سحرك المتهلل
أنت نبعى وأيكتى وظلالى
وخميلى وجدولى المتسلسل
أنت لى واحة أفئ اليها
وهجير الأسى بجنبى مشعل
أنت ترنيمة الهدوء بشعرى
وأنا الشاعر الحزين المبلبل
أنت تهويدة الخيال لأحزانى
بأطياف نورها
أتعلل
أنت كأسى وكرمتى ومدامى
والطلا من يديك سكر محلل
أنت فجرى على الحقول
حياة..، وصلاة..،
ونشوة...، وتهلل..،
أنت تغريدة الخلود بألحانى
وشعر الحياة لغو مهلل
أنت طيف الغيوب رفرف بالرحمة
والطهر والهدى
والتبتل
أنت لى توبة اذا زل عمرى
وصحا الاثم فى دمى
وتململ
أنت لى رحمة براها شعاع
هل من أعين السما
وتنزل
أنت لى زهرة على شاطئ الأحلام
تروى بمهجتى
وتظلل
أنت شعر الأنسام وسوست الفجر
وذابت على حفيف السنبل
أنت سحر الغروب
بل موجة الاشراق
عن سحرها جنانى يسأل
أنت صفو الظلال
تسبح فى النهر
وتلهو على ضفاف الجدول
أنت عيد الأطيار فوق الروابى
فالربيع للطير أقبل
أنت هولى...،
وحيرتى..،،
وجنونى...،
يوم للحسن زهوة وتدلل
أنت دير الهوى
وشعرى صلاة
لك طابت ضراعتى والتذلل
أنت نبع من الحنان
عليه أطرق الفن..،
ضارعا" يتوسل..،
أعين للخشوع تغرى
فخليها على لوعتى
تغض وتسبل
واتركيها وسحرها يتمادى
علما<بابل>
بنجواه تشغل
هو فنى وملهمى...،
فابعثيه
فهو من زهوه شحيح
مبخل..،
يتغافى عن الجفون فان ناجيته
لج فى الكرى وتوغل
وانتشى من سناك وانساب
فى الحياة
يحسو الضياء منه وينهل
وانبرى من جفونك البيض كالأقدار
يردى كما يشاء
ويقتل
ليت لى من صراعه كل يوم
غزوة فى سكون قلبى تجلجل
ولك الصوت ناعما" عاده الشوق
فأضحى حنينه يترسل
نبرات كأنها شجو الأوتار
فى عود عاشق مترحل
أو حفيف الاّذان فى مسمع الفجر
ندى الصدى
شذى المنهل
أو غناء الظلال فى خاطر الغدران
شعر فى الصمت
عان مكبل
أو نشيد أذابه الأفق النائى
وغناه خاطرى المتأمل
ولك البسمة الوديعة طهر
وصفاء
وصبوة
وتغزل
لذة الهمس فى دمى تنقل الروح
لواد بصفو عمرى مظلل
فاسكبيها على جنانى وخلى
سحرها
فى مشاعرى
يتهدل
ولك الهدأة التى تغمر الحس
فيروى من الكون
ويثمل
واحة للجمال ، قلبى فيها
من أسى الدهر ناسك
متعزل
علمتنى ظلالها كيف أنسى
صخب الوهم
وهو عصف مزلزل
ولك العفة التى عاد منها
<مريمى> الستور
فوقك مسبل
فتعالى
نغيب عن ضجة الدنيا
ونمضى عن الوجود ونرحل
والى عشنا الجميل
ففيه
هزج للهوى
وظل ..وسلسل..،
وعصافير للمنى تتغنى
بالترانيم
بين عشب وجدول
وغرام مقدس كاد يضوى
نوره العذب فى سمانا
ويشعل
ووفاء يكاد يسطع للدنيا
بشرع الى المحبين
مرسل
عاد للعش كل طير
ولم يبق سوى طائر شريد
مخبل
هو قلبى الذى تناسيت بلواه
فأضحى على الجراح
يولول
أقبلى...،
قبل أن تميل به الريح
ويهوى به الفناء
المعجل
أقبلى...،
فالجراح ظمأى ،
وكأس الحب ثكلى
والشعر ناى
معطل..,,
واذ كانت هذه القصيدة بالترتيب الزمنى لأحلى عشرين قصيدة بالشعر العربى <للحب>،هى الأخيرة
وهكذا جاءت بافراد الشاعر العذب الصوت، الرخيم الايقاع
الأستاذ الشاعر المرموق /فاروق شوشة..،
واذ كان اختياره لها من بين قصائد الشاعر الملاح المغامر الانسان/
محمود حسن اسماعيل لاعتبارات عدة منها أنها كانت أول قصيدة تقع بين وجدانه لهذا الشاعر، ومن بين دواوينه..،
فمن رأى شخصى، تعد هذه القصيدة بالنسبة لى
هوية مصرية خالصة المشاعر،
ولوحة ضاربة الاشراق والغروب،
ففيها كل المحطات التى يقف عندها ولها العاشق،
ففيها النداء، وفيها الوصف، وفيها البدء والانتهاء
مشوبة بحنين المشاعر،
وبديع الكلمات التى كأنها تنطق بذات احساسها،
وهى النبراس لكل تجربة متفردة
وهى الأجراس الشاردة
بفضاء الحب الواسع...,,
رحم الله شاعر الكوخ
محمود حسن اسماعيل
2016-04-26, 17:16 من طرف heba1977
» موقع اخبارى مميز
2016-04-12, 14:18 من طرف الخولى
» مكتبه الفنان عبده النزاوي
2016-03-19, 17:08 من طرف حازم هارون
» مكتبه مطرب الكف ياسر رشاد
2016-03-18, 17:51 من طرف حازم هارون
» مكتبه مطرب الكف - رشاد عبد العال - اسوان
2016-03-18, 17:48 من طرف حازم هارون
» يلم دراما الزمن الجميل الرائع - أنا بنت مين, فريد شوقي, ليلى فوزي , حسين رياض
2016-03-13, 10:39 من طرف نعناعه
» فيلم الحرمان فيروز نيللي
2016-03-13, 10:35 من طرف نعناعه
» المسلسل البدوي البريئة
2016-03-13, 10:33 من طرف نعناعه
» مسلسل وضحا وابن عجلان
2016-03-13, 10:32 من طرف نعناعه