جوانب التربية الذاتية:
الجانب
الأول: الصلة بالله عز وجل: وهذا أهم الجوانب وآكدها، فكل مابعده إنما هو ثمرة
ونتيجة له، ومن وسائل تحقيق ذلك: عناية الإنسان بالفرائض واجتناب المعاصي، ومحاسبة
النفس على ذلك ومبادرتها بالعلاج حين التقصير، وبعد ذلك استزادته من النوافل كنوافل
الصلاة، ونوافل الصدقة والصيام والتلاوة والذكر.
الجانب الثاني : العلم
الشرعي: ووسائل تحصيله لا تخفى علينا إما من خلال الدراسة النظامية، أو من خلال
مجالس العلم وحلقاته المقامة في المساجد، أو من خلال الأنشطة الشبابية حيث تقام
فيها دروس علمية وحلقات علمية، أو من جانب البحث الفردي الذي يبذله صاحبه، من خلال
القراءة والإطلاع، أو من خلال الاستماع للأشرطة العلمية والدروس العلمية
.
الجانب الثالث : التربية
على العمل: إن الإنسان في حياته الخاصة حين يريد إتقان نشاط أو حرفة معينة،
كالسباحة، أو قيادة السيارة - على سبيل المثال- حين يريد ذلك فإنه لايقتصر على
الجانب النظري، وعلى سؤال من يجيدونها، بل يعتني بالتدريب والممارسة، والمهارات
الدعوية كذلك فهي تُتقن من خلال التدريب والممارسة
وسائل التربية الذاتية:
الوسيلة الأولى:
الصلة بالله عز وجل: كما أن الصلة بالله عز وجل من الجوانب التي ينبغي أن يعنى بها
المرء في تربيته لنفسه، فهي وسيلة من وسائل تربية النفس.
وبالإضافة إلى
ماذكرنا من الاعتناء بالفرائض والبعد عن المعاصي، والاجتهاد بالنوافل لابد من من
السعي لتطهير القلب من التعلق بغير الله عز وجل؛ فصلاح القلب مناط تربية الصلة
بالله عز وجل، بل هو مناط النجاة يوم القيامة ، قال الله عز وجل على لسان إبراهيم
عليه السلام :]ولا تخزني يوم يبعثون. يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون. إلا من أتى الله
بقلبٍ سليم[ في هذه الآيات يدعو إبراهيم عليه السلام ربه أن يأتي يوم القيام بقلب
سليم، وفي الآية الأخرى وصفه تبارك وتعالى بأنه جاء ربه بقلب سليم ]وإن من شيعته
لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم[ .
وأخبر النبي عن منزلة القلب وأن الجسد
كله يصلح بصلاحه، ويفسد بفساده "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله،
وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
وحين تصلح حال الإنسان مع الله،
وتقوى صلته بربه تستقيم سائر أموره.
الوسيلة الثانية: القراءة والمطالعة :
وهذا أيضاً عنصر مهم من عناصر التربية
الذاتية، فأنت تقرأ في كتب الرقائق ما يرقق قلبك ويزيل قسوته، وتقرأ في كتب
الأخلاق والآداب ما يصلح سلوكك، وتقرأ في كتب أهل العلم مايزيدك علماً، وتقرأ في
تراجم العلماء مايزيدك حماسة للعلم والدعوة والبذل لدين الله عز
وجل.
والقراءة تنمي أفق الإنسان، وتفكيره، وتزيد من قدرته على حل المشكلات،
فالقراءة تنمي كافة الجوانب وإن كان يتبادر إلى الذهن أنها قاصرة على الجانب العلمي
وحده.
الوسيلة الثالثة: حفظ الوقت والاعتناء به: ويتأكد هذا الأمر في حق من
اشتغلوا بدعوة غيرهم وتربيتهم؛ فهذا العمل يأخذ عليهم زبدة أوقاتهم، لكن الاعتناء
بتنظيم الوقت والحزم مع النفس في ذلك مما يعينهم على أن يوفروا لأنفسهم قدرا من
الوقت كان يضيع سدى؛ فيستثمروه في تربية أنفسهم والرقي بها، إن استغلال الوقت مهارة
وقدرة يحتاج الشاب أن يربي نفسه عليها، وليست مجرد اقتناع من الإنسان بأهمية
الوقت.
الوسيلة الرابعة: التفاعل مع البرامج العامة: إن هناك برامج عامة
يتلقاها الشاب مع إخوانه، كالدرس العلمي والمحاضرة وخطبة الجمعة واللقاءات الجماعية
…إلى غير ذلك، وهذه البرامج تحتاج منه إلى أن يتفاعل معها، من خلال التركيز
والاستيعاب، ومن خلال أخذ النفس بالعمل والتطبيق بعد ذلك، وقد سبقت الإشارة إلى
طوائف ممن كانوا يحضرون أعلى المجالس وأشرفها: مجالس النبي r وكانوا لا يستفيدون من
ذلك، بل كانت وبالاً عليهم.
الوسيلة الخامسة: الجماعية :لابد من الجماعية في
التربية الذاتية، وكيف يكون ذلك؟
ذكر الأستاذ محمد قطب حديثاً جميلاً في كتابه منهج التربية الإسلامية حيث يقول :"وينبغي
أن نذكر بصفة عامة أن التنمية النفسية الصحيحة لا تتم في كيان فرد يعيش بمفرده في
عزلة عن الآخرين وفي هذه الفترة بالذات – وهو يتحدث عن فترة الشباب الباكر – كيف
يتدرب الإنسان على الأخوة إذا لم يمارس الأخوة بمشاعرها؟ مع الإخوة الذين يربطهم به
هذا الرباط؟ كيف يتدرب على التعاون إذا لم يقم بهذا الفعل مع أفراد آخرين؟ كيف
يتعود أن يؤثر على نفسه إذا لم يكن هناك إلا نفسه؟ إن الوجود في الجماعة هو الذي
ينمي هذه المشاعر وهذه الألوان من السلوك، والشاب الذي يعيش في عزلة عن الآخرين وإن
حاول أن يستقيم على المنهج السليم تنمو بعض جوانب نفسه وتظل جوانب أخرى ضامرة؛
لأنها لا تعمل".
إن بعض الشباب يقول: علي أن أنعزل لوحدي لأهتم بتربية نفسي
، وهذا غير صحيح فالجماعية مهمة للتربية الذاتية لأمور:
أولاً: هناك
أمور جماعية لا يمكن أن تؤديها إلا من خلال الجماعة، كمشاعر الأخوة والتعاون
والإيثار والصبر على جفاء الآخرين.
ثانياً: من خلال الجماعة تجد القدوة
الصالحة وهي مهمة للتربية .
ثالثاً: من خلال الجماعة تجد القدوة السيئة وهي
أيضاً مهمة للتربية؛ فحين ترى فرداً سيء الخلق تدرك كيف يخسر الآخرين، ومن ثم تدرك
شؤم سوء الخلق، وترى إنساناً كسولاً فتدرك أثر الكسل والتفريط، إذاً أنت تحتاج إلى
القدوة السيئة لا تلازمها وتعاشرها لكن عندما ترى هذا النموذج
تجتنبه.
رابعاً: اكتشاف أخطاء النفس، وترويضها؛ فالإنسان الذي يعيش في عزلة
يكون في الأغلب إنساناً حاداً في تعامله مع الآخرين، مثاليّاً في أحكامه وفي
المشروعات التي يطرحها وعندما ينتقد الآخرين وعندما يوجههم، فهو مهما امتلك من
القدرات تبقى لديه جوانب قصور واضحة، من خلال العزلة والسياج الذي فرضه على نفسه،
ومن هنا نقول لابد من الجماعة في التربية الذاتية.
الوسيلة
السادسة: الثقة بالنفس : وذلك بأن يشعر الشاب أنه قادر على أن يرقى بنفسه إلى درجات
الكمال البشري، أما الكمال المطلق فلا يمكن أن يصل إليه البشر إطلاقاً، فالذي لايثق
بنفسه لا يمكن أن يصنع شيئاً، ولا يمكن أن يرتفع بها أو يرتقي بها.
ولابد مع
الثقة بالنفس من مقت النفس بجانب الله عز وجل حتى تتجنب طرفي الإفراط والتفريط،
فالثقة بالنفس تعني أن يعلم الإنسان أنه قادر على أن يفعل هذا الشيء، وأن يتحمل
المسؤولية حين تقع عليه، لكن ذلك لا يعني أن يصاب بغرور وإعجاب، بل ينبغي أن يعلم
أنه مقصر وأنه مذنب وأنه مخطئ.
وحين أجمع بين الأمرين سيدفعني ذلك إلى بذل
الجهد والمشاركة الدعوية ليكون في ذلك تكفيراً لذنبي، ورفعة لدرجاتي عند الله عز
وجل.
افترض أني إنسان أعطاني الله عز وجل فصاحة وبلاغة أيمنعني هذا من أن
أخطب الناس وأذكرهم بكتاب الله وسنة النبي ، وإن كنت أشعر بأنني أرتكب المعاصي
والذنوب، وهب أن أعطاني الله موهبة في التأثير على الآخرين وقدرة في التعامل مع
الناس وكسبهم، هل يمنعني شعوري بالتقصير من استثمار هذه الموهبة دعوة الناس
والتأثير عليهم، وهكذا أيًّا كانت هذه الموهبة ألا يدعوني ذلك إلى أن أستغلها في
طاعة الله على كل حال؟
الوسيلة السابعة: محاسبة النفس : وذلك بأن يحاسب
الإنسان نفسه قبل العمل وأثناء ه وبعده، وأن يداوم على محاسبة نفسه في كافة جوانب
حياته؛ فالمحاسبة هي التي تُعرِّف الإنسان بعيوب نفسه وجوانب ضعفها، وهي التي تعينه
على علاجها.
الوسيلة الثامنة: العزلة الشرعية :ونعني بالعزلة الشرعية أن
يكون للشاب حظ من الوقت يخلو فيه بنفسه، ويقبل فيه على الله عز وجل يقول ابن القيم
- رحمه الله - في مدارج السالكين تعليقاً في قوله صاحب المنازل في درجات الإيثار
قال: ألا يقطع عليك طريق السير والطلب إلى الله جل وعلا مثل أن تؤثر جليسك على ذكرك
وتوجهك وجمعيتك على الله؛ فتكون قد آثرته على الله وآثرت بنصيبك من الله ما لا
يستحق الإيثار؛ فيكون مثلك كمثل رجل سائرٍ على الطريق لقيه رجل فاستوقفه وأخذ يحدثه
ويلهيه حتى فاته الرفاق، وهذا حال أكثر الخلق مع الصادق الساعي إلى الله جل وعلا .
فإيثارهم عليه عين الغبن وما أكثر المؤثرين على الله غيره، وما أقل المؤثرين الله
على غيره، وكذلك الإيثار ما يفسد على المسلم وقته قبيحٌ أيضاً مثل أن يؤثر في وقته
ويفرق قلبه في طلب خلقه، أو يؤثر بأمر قد جمع همه وأمره إلى الله؛ ليفرق عليه قلبه
بعد جمعيته ويشتت خاطره، وهذا أيضاً إيثارٌ غير مشروع، وكذلك الإيثار باشتغال القلب
والفكر في مهمات الخلق ومصالحهم التي لا تتعين عليك، على الفكر النافع واشتغال
القلب بالله ونظائر ذلك لا تخفى، بل هو حال الخلق والغالب عليهم ، وكل سبب يعود
عليك بصلاح قلبك ومحاسبة نفسك مع الله فلا تؤثر به إنما تؤثر الشيطان على الله وأنت
لا تعلم" .
إذاً فمهما كنت في ميدان من ميادين الخير: ميدان أمر بالمعروف
ونهي عن المنكر، أو ميدان تعليم علم ، أو ميدان جهاد في سبيل الله، فلابد أن يكون
لك نصيب -ولو كان يسيراً - تخلو فيه مع الله عز وجل، فتتلو فيه كتاب الله عز وجل
وتتدبره، وتقوم الليل أو تصوم، فهذا زاد لك يعينك على هذا العمل الذي تفرغت
له.
التربية الذاتية
ومفاهيم خاطئة:
لاشك أن الإنسان حينما يفكر في موضوع معين ويعتني به ويتفاعل
معه، قد يكون لديه خلل أو فهم خاطئ نتيجة مبالغته في النظرة إلى هذا الموضوع، ومن
هنا كان لابد أن نشير إلى بعض المفاهيم الخاطئة التي قد تتبادر للذهن من خلال سماع
هذا الموضوع، أو من خلال تفكيرنا بحاجتنا إلى التربية الذاتية.
أولاً:
استقلال النفس:
فقد يشعر بعض الشباب أننا الآن حشدنا الأدلة والمؤيدات في إقناعه
بتربية نفسه، فيقول:ما دمت أدرك عيوبي أكثر من غيري، وما دمت مسؤولاً مسؤولية
فردية، فأنا لست بحاجة إلى الآخرين، لست بحاجة إلى أن أحضر إلى مجالس العلم
فبإمكاني أن أحصله بنفسي، ولست بحاجة إلى مشاركة الشباب الصالحين في برامجهم، إلى
غير ذلك وهذا خطأ فالناس بحاجة إلى التعليم، وبحاجة إلى التربية وقديماً قيل: من كان أستاذه
كتابه فخطؤه أكثر من صوابه، فمن أراد أن يتعلم العلم من خلال الكتب وحدها لا يمكن
أن يبلغ الغاية، ومن أراد أن يربي نفسه في هذا العصر وهذا المجتمع وسط هذا الزخم
الهائل من المغريات والشهوات والفتن التي قد تتحدث عن شيء منها في محاضرة الغد
(عناية الشريعة بسد ذرائع الفاحشة) إن شاء الله في هذا الوسط الذي يظن أنه يستطيع
أن يستقل بنفسه فهذا وهم كاذب، فلابد له من رفقة صالحة يعينونه على طاعة الله ،
وكان كما يقول ابن عباس : "أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه
جبريل" فإذا كان الرسول يستفيد من لقائه بجبريل وهو رسول الله أفضل الخلق فغيره من
باب أولى.
إذاً فحديثنا عن التربية الذاتية وأهميتها لا يعني إطلاقاً
استقلال الشاب، فمع تأكيدنا على التربية الذاتية وأهميتها فنحن نؤكد أيضاً
على الجماعية، كما ذكرنا أن من وسائل التربية الذاتية الجماعية، وذكرنا أن الإنسان
الذي يعيش في وسط فردي بحت يعيش في نشاز إنسان شاذ في سلوكه ونشاطه وأخلاقه ومن
جلوسك معه تعلم بأنه إنسان لا يعيش ولا يخالط الآخرين.
ثانياً: التفريط في
الدعوة:
ومن المفاهيم الخاطئة للتربية الذاتية: التفريط في الأعمال الهامة بحجة
تربية النفس، فبعض الناس يقول أريد أن أتفرغ لكي أربي نفسي وأتعلم وأستزيد من
العلم، ثم بعد ذلك يمكنني أن أقوم بالدعوة إلى الله عز وجل .
إن الواقع
الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم لا يسمح لنا بهذا التباطؤ والتأخر، وأهل الشر
يبذلون جهوداً جبارة في سبيل نشر باطلهم، وهب أننا قلنا للشباب جميعاً يجب أن
تتفرغوا للعلم وحفظ القرآن وللإبداع فيه ثم تنزلون إلى الميدان، فمن سيتولى تربية
هؤلاء الشباب، ومن سيقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن سينفق على
المحتاجين والضعفاء، ومن سيقوم بالجهاد في سبيل الله .
إن الشاب الذي تفرغ
حينما يتخرج بعد ذلك سيحتاج إلى طريقة للتعامل مع وقته، وإلى تضحية لم يكن اعتاد
عليها فيكون من الصعب عليه أن يعمل هذه الأعمال، لا يعرف كيف يتحدث مع الآخرين، لا
يعرف المشكلات لم يعرف ولا كيف يواجهها.
وهذا نبي من أنبياء الله قد تفرغ
لعبادته وترك الحكم بين الناس فعاتبه الله ألا وهو داود ]وهل أتاك نبأ الخصم إذ
تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على
بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط …
وكم تصدى النبي
للناس حتى أثر على عبادته فكان في آخر حياته يصلي جالساً كما تقول عائشة حين حطمه
الناس، وهكذا المصلحون والعلماء وغيرهم من الناس الذين تصدوا لدعوة
الناس.
والأمر يحتاج إلى اعتدال، فلايسوغ أن نهمل الدعوة والإصلاح بحجة
تربية أنفسنا، وفي المقابل لا يسوغ أن نهمل أنفسنا، فلنؤت كل ذي حق حقه والله أعلم
.
الجانب
الأول: الصلة بالله عز وجل: وهذا أهم الجوانب وآكدها، فكل مابعده إنما هو ثمرة
ونتيجة له، ومن وسائل تحقيق ذلك: عناية الإنسان بالفرائض واجتناب المعاصي، ومحاسبة
النفس على ذلك ومبادرتها بالعلاج حين التقصير، وبعد ذلك استزادته من النوافل كنوافل
الصلاة، ونوافل الصدقة والصيام والتلاوة والذكر.
الجانب الثاني : العلم
الشرعي: ووسائل تحصيله لا تخفى علينا إما من خلال الدراسة النظامية، أو من خلال
مجالس العلم وحلقاته المقامة في المساجد، أو من خلال الأنشطة الشبابية حيث تقام
فيها دروس علمية وحلقات علمية، أو من جانب البحث الفردي الذي يبذله صاحبه، من خلال
القراءة والإطلاع، أو من خلال الاستماع للأشرطة العلمية والدروس العلمية
.
الجانب الثالث : التربية
على العمل: إن الإنسان في حياته الخاصة حين يريد إتقان نشاط أو حرفة معينة،
كالسباحة، أو قيادة السيارة - على سبيل المثال- حين يريد ذلك فإنه لايقتصر على
الجانب النظري، وعلى سؤال من يجيدونها، بل يعتني بالتدريب والممارسة، والمهارات
الدعوية كذلك فهي تُتقن من خلال التدريب والممارسة
وسائل التربية الذاتية:
الوسيلة الأولى:
الصلة بالله عز وجل: كما أن الصلة بالله عز وجل من الجوانب التي ينبغي أن يعنى بها
المرء في تربيته لنفسه، فهي وسيلة من وسائل تربية النفس.
وبالإضافة إلى
ماذكرنا من الاعتناء بالفرائض والبعد عن المعاصي، والاجتهاد بالنوافل لابد من من
السعي لتطهير القلب من التعلق بغير الله عز وجل؛ فصلاح القلب مناط تربية الصلة
بالله عز وجل، بل هو مناط النجاة يوم القيامة ، قال الله عز وجل على لسان إبراهيم
عليه السلام :]ولا تخزني يوم يبعثون. يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون. إلا من أتى الله
بقلبٍ سليم[ في هذه الآيات يدعو إبراهيم عليه السلام ربه أن يأتي يوم القيام بقلب
سليم، وفي الآية الأخرى وصفه تبارك وتعالى بأنه جاء ربه بقلب سليم ]وإن من شيعته
لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم[ .
وأخبر النبي عن منزلة القلب وأن الجسد
كله يصلح بصلاحه، ويفسد بفساده "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله،
وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
وحين تصلح حال الإنسان مع الله،
وتقوى صلته بربه تستقيم سائر أموره.
الوسيلة الثانية: القراءة والمطالعة :
وهذا أيضاً عنصر مهم من عناصر التربية
الذاتية، فأنت تقرأ في كتب الرقائق ما يرقق قلبك ويزيل قسوته، وتقرأ في كتب
الأخلاق والآداب ما يصلح سلوكك، وتقرأ في كتب أهل العلم مايزيدك علماً، وتقرأ في
تراجم العلماء مايزيدك حماسة للعلم والدعوة والبذل لدين الله عز
وجل.
والقراءة تنمي أفق الإنسان، وتفكيره، وتزيد من قدرته على حل المشكلات،
فالقراءة تنمي كافة الجوانب وإن كان يتبادر إلى الذهن أنها قاصرة على الجانب العلمي
وحده.
الوسيلة الثالثة: حفظ الوقت والاعتناء به: ويتأكد هذا الأمر في حق من
اشتغلوا بدعوة غيرهم وتربيتهم؛ فهذا العمل يأخذ عليهم زبدة أوقاتهم، لكن الاعتناء
بتنظيم الوقت والحزم مع النفس في ذلك مما يعينهم على أن يوفروا لأنفسهم قدرا من
الوقت كان يضيع سدى؛ فيستثمروه في تربية أنفسهم والرقي بها، إن استغلال الوقت مهارة
وقدرة يحتاج الشاب أن يربي نفسه عليها، وليست مجرد اقتناع من الإنسان بأهمية
الوقت.
الوسيلة الرابعة: التفاعل مع البرامج العامة: إن هناك برامج عامة
يتلقاها الشاب مع إخوانه، كالدرس العلمي والمحاضرة وخطبة الجمعة واللقاءات الجماعية
…إلى غير ذلك، وهذه البرامج تحتاج منه إلى أن يتفاعل معها، من خلال التركيز
والاستيعاب، ومن خلال أخذ النفس بالعمل والتطبيق بعد ذلك، وقد سبقت الإشارة إلى
طوائف ممن كانوا يحضرون أعلى المجالس وأشرفها: مجالس النبي r وكانوا لا يستفيدون من
ذلك، بل كانت وبالاً عليهم.
الوسيلة الخامسة: الجماعية :لابد من الجماعية في
التربية الذاتية، وكيف يكون ذلك؟
ذكر الأستاذ محمد قطب حديثاً جميلاً في كتابه منهج التربية الإسلامية حيث يقول :"وينبغي
أن نذكر بصفة عامة أن التنمية النفسية الصحيحة لا تتم في كيان فرد يعيش بمفرده في
عزلة عن الآخرين وفي هذه الفترة بالذات – وهو يتحدث عن فترة الشباب الباكر – كيف
يتدرب الإنسان على الأخوة إذا لم يمارس الأخوة بمشاعرها؟ مع الإخوة الذين يربطهم به
هذا الرباط؟ كيف يتدرب على التعاون إذا لم يقم بهذا الفعل مع أفراد آخرين؟ كيف
يتعود أن يؤثر على نفسه إذا لم يكن هناك إلا نفسه؟ إن الوجود في الجماعة هو الذي
ينمي هذه المشاعر وهذه الألوان من السلوك، والشاب الذي يعيش في عزلة عن الآخرين وإن
حاول أن يستقيم على المنهج السليم تنمو بعض جوانب نفسه وتظل جوانب أخرى ضامرة؛
لأنها لا تعمل".
إن بعض الشباب يقول: علي أن أنعزل لوحدي لأهتم بتربية نفسي
، وهذا غير صحيح فالجماعية مهمة للتربية الذاتية لأمور:
أولاً: هناك
أمور جماعية لا يمكن أن تؤديها إلا من خلال الجماعة، كمشاعر الأخوة والتعاون
والإيثار والصبر على جفاء الآخرين.
ثانياً: من خلال الجماعة تجد القدوة
الصالحة وهي مهمة للتربية .
ثالثاً: من خلال الجماعة تجد القدوة السيئة وهي
أيضاً مهمة للتربية؛ فحين ترى فرداً سيء الخلق تدرك كيف يخسر الآخرين، ومن ثم تدرك
شؤم سوء الخلق، وترى إنساناً كسولاً فتدرك أثر الكسل والتفريط، إذاً أنت تحتاج إلى
القدوة السيئة لا تلازمها وتعاشرها لكن عندما ترى هذا النموذج
تجتنبه.
رابعاً: اكتشاف أخطاء النفس، وترويضها؛ فالإنسان الذي يعيش في عزلة
يكون في الأغلب إنساناً حاداً في تعامله مع الآخرين، مثاليّاً في أحكامه وفي
المشروعات التي يطرحها وعندما ينتقد الآخرين وعندما يوجههم، فهو مهما امتلك من
القدرات تبقى لديه جوانب قصور واضحة، من خلال العزلة والسياج الذي فرضه على نفسه،
ومن هنا نقول لابد من الجماعة في التربية الذاتية.
الوسيلة
السادسة: الثقة بالنفس : وذلك بأن يشعر الشاب أنه قادر على أن يرقى بنفسه إلى درجات
الكمال البشري، أما الكمال المطلق فلا يمكن أن يصل إليه البشر إطلاقاً، فالذي لايثق
بنفسه لا يمكن أن يصنع شيئاً، ولا يمكن أن يرتفع بها أو يرتقي بها.
ولابد مع
الثقة بالنفس من مقت النفس بجانب الله عز وجل حتى تتجنب طرفي الإفراط والتفريط،
فالثقة بالنفس تعني أن يعلم الإنسان أنه قادر على أن يفعل هذا الشيء، وأن يتحمل
المسؤولية حين تقع عليه، لكن ذلك لا يعني أن يصاب بغرور وإعجاب، بل ينبغي أن يعلم
أنه مقصر وأنه مذنب وأنه مخطئ.
وحين أجمع بين الأمرين سيدفعني ذلك إلى بذل
الجهد والمشاركة الدعوية ليكون في ذلك تكفيراً لذنبي، ورفعة لدرجاتي عند الله عز
وجل.
افترض أني إنسان أعطاني الله عز وجل فصاحة وبلاغة أيمنعني هذا من أن
أخطب الناس وأذكرهم بكتاب الله وسنة النبي ، وإن كنت أشعر بأنني أرتكب المعاصي
والذنوب، وهب أن أعطاني الله موهبة في التأثير على الآخرين وقدرة في التعامل مع
الناس وكسبهم، هل يمنعني شعوري بالتقصير من استثمار هذه الموهبة دعوة الناس
والتأثير عليهم، وهكذا أيًّا كانت هذه الموهبة ألا يدعوني ذلك إلى أن أستغلها في
طاعة الله على كل حال؟
الوسيلة السابعة: محاسبة النفس : وذلك بأن يحاسب
الإنسان نفسه قبل العمل وأثناء ه وبعده، وأن يداوم على محاسبة نفسه في كافة جوانب
حياته؛ فالمحاسبة هي التي تُعرِّف الإنسان بعيوب نفسه وجوانب ضعفها، وهي التي تعينه
على علاجها.
الوسيلة الثامنة: العزلة الشرعية :ونعني بالعزلة الشرعية أن
يكون للشاب حظ من الوقت يخلو فيه بنفسه، ويقبل فيه على الله عز وجل يقول ابن القيم
- رحمه الله - في مدارج السالكين تعليقاً في قوله صاحب المنازل في درجات الإيثار
قال: ألا يقطع عليك طريق السير والطلب إلى الله جل وعلا مثل أن تؤثر جليسك على ذكرك
وتوجهك وجمعيتك على الله؛ فتكون قد آثرته على الله وآثرت بنصيبك من الله ما لا
يستحق الإيثار؛ فيكون مثلك كمثل رجل سائرٍ على الطريق لقيه رجل فاستوقفه وأخذ يحدثه
ويلهيه حتى فاته الرفاق، وهذا حال أكثر الخلق مع الصادق الساعي إلى الله جل وعلا .
فإيثارهم عليه عين الغبن وما أكثر المؤثرين على الله غيره، وما أقل المؤثرين الله
على غيره، وكذلك الإيثار ما يفسد على المسلم وقته قبيحٌ أيضاً مثل أن يؤثر في وقته
ويفرق قلبه في طلب خلقه، أو يؤثر بأمر قد جمع همه وأمره إلى الله؛ ليفرق عليه قلبه
بعد جمعيته ويشتت خاطره، وهذا أيضاً إيثارٌ غير مشروع، وكذلك الإيثار باشتغال القلب
والفكر في مهمات الخلق ومصالحهم التي لا تتعين عليك، على الفكر النافع واشتغال
القلب بالله ونظائر ذلك لا تخفى، بل هو حال الخلق والغالب عليهم ، وكل سبب يعود
عليك بصلاح قلبك ومحاسبة نفسك مع الله فلا تؤثر به إنما تؤثر الشيطان على الله وأنت
لا تعلم" .
إذاً فمهما كنت في ميدان من ميادين الخير: ميدان أمر بالمعروف
ونهي عن المنكر، أو ميدان تعليم علم ، أو ميدان جهاد في سبيل الله، فلابد أن يكون
لك نصيب -ولو كان يسيراً - تخلو فيه مع الله عز وجل، فتتلو فيه كتاب الله عز وجل
وتتدبره، وتقوم الليل أو تصوم، فهذا زاد لك يعينك على هذا العمل الذي تفرغت
له.
التربية الذاتية
ومفاهيم خاطئة:
لاشك أن الإنسان حينما يفكر في موضوع معين ويعتني به ويتفاعل
معه، قد يكون لديه خلل أو فهم خاطئ نتيجة مبالغته في النظرة إلى هذا الموضوع، ومن
هنا كان لابد أن نشير إلى بعض المفاهيم الخاطئة التي قد تتبادر للذهن من خلال سماع
هذا الموضوع، أو من خلال تفكيرنا بحاجتنا إلى التربية الذاتية.
أولاً:
استقلال النفس:
فقد يشعر بعض الشباب أننا الآن حشدنا الأدلة والمؤيدات في إقناعه
بتربية نفسه، فيقول:ما دمت أدرك عيوبي أكثر من غيري، وما دمت مسؤولاً مسؤولية
فردية، فأنا لست بحاجة إلى الآخرين، لست بحاجة إلى أن أحضر إلى مجالس العلم
فبإمكاني أن أحصله بنفسي، ولست بحاجة إلى مشاركة الشباب الصالحين في برامجهم، إلى
غير ذلك وهذا خطأ فالناس بحاجة إلى التعليم، وبحاجة إلى التربية وقديماً قيل: من كان أستاذه
كتابه فخطؤه أكثر من صوابه، فمن أراد أن يتعلم العلم من خلال الكتب وحدها لا يمكن
أن يبلغ الغاية، ومن أراد أن يربي نفسه في هذا العصر وهذا المجتمع وسط هذا الزخم
الهائل من المغريات والشهوات والفتن التي قد تتحدث عن شيء منها في محاضرة الغد
(عناية الشريعة بسد ذرائع الفاحشة) إن شاء الله في هذا الوسط الذي يظن أنه يستطيع
أن يستقل بنفسه فهذا وهم كاذب، فلابد له من رفقة صالحة يعينونه على طاعة الله ،
وكان كما يقول ابن عباس : "أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه
جبريل" فإذا كان الرسول يستفيد من لقائه بجبريل وهو رسول الله أفضل الخلق فغيره من
باب أولى.
إذاً فحديثنا عن التربية الذاتية وأهميتها لا يعني إطلاقاً
استقلال الشاب، فمع تأكيدنا على التربية الذاتية وأهميتها فنحن نؤكد أيضاً
على الجماعية، كما ذكرنا أن من وسائل التربية الذاتية الجماعية، وذكرنا أن الإنسان
الذي يعيش في وسط فردي بحت يعيش في نشاز إنسان شاذ في سلوكه ونشاطه وأخلاقه ومن
جلوسك معه تعلم بأنه إنسان لا يعيش ولا يخالط الآخرين.
ثانياً: التفريط في
الدعوة:
ومن المفاهيم الخاطئة للتربية الذاتية: التفريط في الأعمال الهامة بحجة
تربية النفس، فبعض الناس يقول أريد أن أتفرغ لكي أربي نفسي وأتعلم وأستزيد من
العلم، ثم بعد ذلك يمكنني أن أقوم بالدعوة إلى الله عز وجل .
إن الواقع
الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم لا يسمح لنا بهذا التباطؤ والتأخر، وأهل الشر
يبذلون جهوداً جبارة في سبيل نشر باطلهم، وهب أننا قلنا للشباب جميعاً يجب أن
تتفرغوا للعلم وحفظ القرآن وللإبداع فيه ثم تنزلون إلى الميدان، فمن سيتولى تربية
هؤلاء الشباب، ومن سيقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن سينفق على
المحتاجين والضعفاء، ومن سيقوم بالجهاد في سبيل الله .
إن الشاب الذي تفرغ
حينما يتخرج بعد ذلك سيحتاج إلى طريقة للتعامل مع وقته، وإلى تضحية لم يكن اعتاد
عليها فيكون من الصعب عليه أن يعمل هذه الأعمال، لا يعرف كيف يتحدث مع الآخرين، لا
يعرف المشكلات لم يعرف ولا كيف يواجهها.
وهذا نبي من أنبياء الله قد تفرغ
لعبادته وترك الحكم بين الناس فعاتبه الله ألا وهو داود ]وهل أتاك نبأ الخصم إذ
تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على
بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط …
وكم تصدى النبي
للناس حتى أثر على عبادته فكان في آخر حياته يصلي جالساً كما تقول عائشة حين حطمه
الناس، وهكذا المصلحون والعلماء وغيرهم من الناس الذين تصدوا لدعوة
الناس.
والأمر يحتاج إلى اعتدال، فلايسوغ أن نهمل الدعوة والإصلاح بحجة
تربية أنفسنا، وفي المقابل لا يسوغ أن نهمل أنفسنا، فلنؤت كل ذي حق حقه والله أعلم
.
2016-04-26, 17:16 من طرف heba1977
» موقع اخبارى مميز
2016-04-12, 14:18 من طرف الخولى
» مكتبه الفنان عبده النزاوي
2016-03-19, 17:08 من طرف حازم هارون
» مكتبه مطرب الكف ياسر رشاد
2016-03-18, 17:51 من طرف حازم هارون
» مكتبه مطرب الكف - رشاد عبد العال - اسوان
2016-03-18, 17:48 من طرف حازم هارون
» يلم دراما الزمن الجميل الرائع - أنا بنت مين, فريد شوقي, ليلى فوزي , حسين رياض
2016-03-13, 10:39 من طرف نعناعه
» فيلم الحرمان فيروز نيللي
2016-03-13, 10:35 من طرف نعناعه
» المسلسل البدوي البريئة
2016-03-13, 10:33 من طرف نعناعه
» مسلسل وضحا وابن عجلان
2016-03-13, 10:32 من طرف نعناعه