المنتدى الرسمى لصوت الرملة بنها

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخى الزائر... ... أختى الزائرة
أهلاً بك عضوًا جديدًا ... وضيفًا كريمًا
معرفتك تسرنا... وتواصلنا معك يسعدنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

المنتدى الرسمى لصوت الرملة بنها

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخى الزائر... ... أختى الزائرة
أهلاً بك عضوًا جديدًا ... وضيفًا كريمًا
معرفتك تسرنا... وتواصلنا معك يسعدنا

المنتدى الرسمى لصوت الرملة بنها

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المنتدى الرسمى لصوت الرملة بنها

منتدى صوت الرملة بنها قليوبية forum soutelramla

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنْهُما أَنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَان يقُولُ عِنْد الكرْبِ : « لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ ، وربُّ الأَرْض ، ورَبُّ العرشِ الكريمِ » متفقٌ عليه .
اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً .رواه ابن ماجه .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعوة النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت :" لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له ..صحيح الترمذي
موقع اخبارى مميز لطلاب قسم الاعلام ببنها ادخل ومش هاتندم
http://www.elgaras.com

اقسام المنتدى

المواضيع الأخيرة

» صوت الرملة يقدم من سلسلة كتب صوتيات اللغة الفرنسية كتاب Phonétique - 350 exercices (Livre + Audio) هدية من الاستاذ عمرو دسوقى
الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty2016-04-26, 17:16 من طرف heba1977

» موقع اخبارى مميز
الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty2016-04-12, 14:18 من طرف الخولى

»  مكتبه الفنان عبده النزاوي
الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty2016-03-19, 17:08 من طرف حازم هارون

»  مكتبه مطرب الكف ياسر رشاد
الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty2016-03-18, 17:51 من طرف حازم هارون

»  مكتبه مطرب الكف - رشاد عبد العال - اسوان
الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty2016-03-18, 17:48 من طرف حازم هارون

» يلم دراما الزمن الجميل الرائع - أنا بنت مين, فريد شوقي, ليلى فوزي , حسين رياض
الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty2016-03-13, 10:39 من طرف نعناعه

» فيلم الحرمان فيروز نيللي
الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty2016-03-13, 10:35 من طرف نعناعه

» المسلسل البدوي البريئة
الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty2016-03-13, 10:33 من طرف نعناعه

» مسلسل وضحا وابن عجلان
الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty2016-03-13, 10:32 من طرف نعناعه

اقسا م المنتدى

select language

أختر لغة المنتدى من هنا

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 37 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 37 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 315 بتاريخ 2012-06-09, 21:38

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 11145 مساهمة في هذا المنتدى في 7231 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 11888 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو المصري فمرحباً به.

تصويت


    الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة

    sla7
    sla7
    مدير الادارة
    مدير الادارة


    عدد المساهمات : 2887
    نقاط : -2147483186
    السٌّمعَة : 65
    تاريخ التسجيل : 10/11/2010
    الموقع : http://www.tvquran.com/

    الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة  Empty الحلقة السابعة والعشرون - الحلقة التاسعة والعشرون سيرة الصحابة

    مُساهمة من طرف sla7 2010-11-27, 17:03

    الحلقة السابعة والعشرون :

    عمرو بن العاص - محرّر مصر من الرومان

    كانوا ثلاثة في قريش، اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنف مقاومتهم دعوته وايذائهم أصحابه..

    وراح الرسول يدعو عليهم، ويبتهل الى ربه الكريم أن ينزل بهم عقابه..

    واذ هو يدعو ويدعو، تنزل الوحي على قلبه بهذه الآية الكريمة..

    ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم، فانهم ظالمون)..

    وفهم الرسول من الآية أنها أمر له بالكف عن الدعاء عليهم، وترك أمرهم الى الله وحده..

    فامّا أن يظلوا على ظلمهم، فيحلّ بهم عذابه..

    أو يتوب عليهم فيتوبوا، وتدركهم رحمته..

    كان عمرو بن العاص أحد هؤلاء الثلاثة..
    ولقد اختار الله لهم طريق التوبة والرحمة وهداهم الى الاسلام..

    وتحول عمرو بن العاص الى مسلم مناضل. والى قائد من قادة الاسلام البواسل..

    وعلى الرغم من بعض مواقف عمرو التي لا نستطيع أن نقتنع بوجهة نظره فيها، فان دوره كصحابيّ جليل بذل وأعطى، ونافح وكافح، سيظل يفتح على محيّاه أعيننا وقلوبنا..

    وهنا في مصر بالذات، سيظل الذين يرون الاسلام دينا قيما مجيدا..

    ويرون في رسوله رحمة مهداة، ونعمة موجاة، ورسول صدق عظيم، دعا الى الله على بصيرة، وألهم الحياة كثيرا من رشدها وتقاها..

    سيظل الذين يحملون هذا الايمان مشحوذي الولاء للرجل الذي جعلته الأقدار سببا، وأي سبب، لاهداء الاسلام الى مصر، واهداء مصر الى الاسلام.. فنعمت الهداية ونعم مهديها..

    ذلكم هو: عمرو بن العاص رضي الله عنه..

    ولقد تعوّد المؤرخون أن ينعتوا عمرا بـ فاتح مصر..

    بيد أنا نرى في هذا الوصف تجوزا وتجاوزا، ولعل أحق النعوت بعمرو أن ندعوه بـ محرر مصر..

    فالاسلام لم يكن يفتح البلاد بالمفهوم الحديث للفتح، انما كان يحررها من تسلط امبراطوريتين سامتا العباد والبلاد سوء العذاب، تانك هما:

    امبراطورية الفرس.ز وامبراطورية الروم..

    ومصر بالذات، يوم أهلت عليها طلائع الاسلام كانت نهبا للرومان وكان أهلها يقاومون دون جدوى..

    ولما دوّت فوق مشارف بلادهم صيحات الكتائب المؤمنة أن:

    " الله أكبر..

    الله أكبر"..

    سارعوا جميعا في زحام مجيد صوب الفجر الوافد وعانقوه، واجدين فيه خلاصهم من قيصر ومن الرومان..

    فعمرو بن العاص ورجاله، لم يفتحوا مصر اذن.. انما فتحوا الطريق أمام مصر لتصل بالحق مصايرها.. وتربط بالعدل مقاديرها.. وتجد نفسها وحقيقتها في ضوء كلمات الله، ومبادئ الاسلام..

    ولقد كان رضي الله عنه حريصا على أن يباعد أهل مصر وأقباطها عن المعركة، ليظل القتال محصورا بينه وبين جنود الرومان الين يحتلون البلاد ويسرقون أرزاق أهلها..

    من أجل ذلك نجده يتحدث الى زعماء النصارى يومئذ وكبار أشاقفتهم، فيقول:

    "... ان الله بعث محمدا بالحق وأمره به..

    وانه عليه الصلاة والسلام، قد أدّى رسالته، ومضى بعد أن تركنا على الواضحة أي الطريق الواضح المستقيم..

    وكان مما أمرنا به الاعذار الى الناس، فنحن ندعوكم الى الاسلام..

    فمن أجابنا، فهو منا، له ما لنا وعليه ما علينا..

    ومن لم يجبنا الى الاسلام، عرضنا عليه الجزية أي الضرائب وبذلنا له الحماية والمنعة..

    ولقد أخبرنا نبينا أن مصر ستفتح علينا، وأوصانا بأهلها خيرا فقال:" ستفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرا، فان لهم ذمّة ورحما"..

    فان أجبتمونا الى ما ندعوكم اليه كانت لكم ذمة الى ذمة"...

    وفرغ عمرو من كلماته، فصاح بعض الأساقفة والرهبان قائلا:

    " ان الرحم التي أوصاكم بها نبيّكم، لهي قرابة بعيدة، لا يصل مثلها الا الأنبياء"..!!

    وكانت هذه بداية طيبة للتفاهم المرجو بين عمرو أقباط مصر.. وان يكن قادة الرومان قد حاولوا العمل لاحباطها..


    **


    وعمرو بن العاص لم يكن من السابقين الى الاسلام، فقد أسلم مع خالد بن الوليد قبيل فتح مكة بقليل..
    ومن عجب أن اسلامه بدأ على يد النجاشي بالحبشة وذلك أن النجاشي يعرف عمرا ويحترمه بسبب تردده الكثير على الحبشة والهدايا الجزيلة التي كان يحملها للنجاشي، وفي زيارته الأخيرة لتلك البلاد جاء ذكر لرسول الذي يهتف بالتوحيد وبمكارم الأخلاق في جزيرة العرب..

    وسأل عاهل الحبشة عمرا، كيف لم يؤمن به ويتبعه، وهو رسول من الله حقا..؟؟

    وسأل عمرو النجاشي قائلا:

    " أهو كذلك؟؟"

    وأجابه النجاشي:

    " نعم، فأطعني يا عمرو واتبعه، فانه والله لعلى الحق، وليظهرنّ على من خالفه"..؟!

    وركب عمرو ثبج البحر من فوره، عائدا الى بلاده، وميمّما وجهه شطر المدينة ليسلم لله رب العالمين..

    وفي الطريق المقضية الى المدينة التقى بخالد بن الوليد قادما من مكة ساعيا الى الرسول ليبايعه على الاسلام..

    ولك يكد الرسول يراهما قادمين حتى تهلل وجهه وقال لأصحابه:

    " لقد رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها"..

    وتقدم خالد فبايع..

    ثم تقدم عمرو فقال:

    " اني أبايعك على أن يغفر الله لي ما تقدّم من ذنبي"..

    فأجابه الرسول عليه السلام قائلا:

    " يا عمرو..

    بايع، فان الاسلام يجبّ ما كان قبله"..

    وبايع عمرو ووضع دهاءه وشجاعته في خدمة الدين الجديد.

    وعندما انتقل الرسول الى الرفيق الأعلى، كان عمرو واليا على عمان..

    وفي خلافة عمر أبلى بلاءه المشهود في حروب الشام، ثم في تحرير مصر من حكم الرومان.


    **


    وياليت عمرو بن العاص كان قد قاوم نفسه في حب الامارة..

    اذن لكان قد تفوّق كثيرا على بعض المواقف التي ورّطه فيها الحب.

    على أن حب عمرو الامارة، كان الى حد ما، تعبيرا تلقائيا عن طبيعته الجياشة بالمواهب..

    بل ان شكله الخارجي، وطريقته في المشي وفي الحديث، كانت تومي الى أنه خلق للامارة..!! حتى لقد روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رآه ذات يوم مقبلا، فابتسم لمشيته وقال:

    " ما ينبغي لأبي عبدالله أن يمشي على الأرض الا أميرا"..!

    والحق أن أبا عبدالله لم يبخس نفسه هذا الحق..

    وحتى حين كانت الأحداث الخطيرة تجتاح المسلمين.. كان عمرو يتعامل مع هذه الأحداث بأسلوب أمير، أمير معه من الذكاء والدهاء، والمقدرة ما يجعله واثقا بنفسه معتزا بتفوقه..!!

    ولكن معه كذلك من الأمانة ما جعل عمر بن الخطاب وهو الصارم في اختيار ولاته، واليا على فلسطين والأردن، ثم على مصر طوال حياة أمير المؤمنين عمر...

    حين علم أمير المؤمنين عمر أن عمرا قد جاوز في رخاء معيشته الحد الذي كان أمير المؤمنين يطلب من ولاته أن يقفوا عنده، ليظلوا دائما في مستوى، أو على الأقل قريبين من مستوى عامة الناس..

    نقول: لو علم الخليفة عن عمرو كثرة رخائه، لم يعزله، انما أرسل اليه محمد بن مسلمة وأمره أن يقاسم عمرا جميع أمواله وأشيائه، فيبقي له نصفها ويحمل معه الى بيت المال بالمدينة نصفها الآخر.

    ولو قد علم أمير المؤمنين أن حب عمرو للامارة، يحمله على التفريط في مسؤولياته، لما احتمل ضميره الرشيد ابقاءه في الولاية لحظة.


    **


    وكان عمرو رضي الله عنه حادّ الذكاء، قوي البديهة عميق الرؤية..

    حتى لقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، كلما رأى انسانا عاجز الحيلة، صكّ كفيّه عجبا وقال:

    " سبحان الله..!!

    ان خالق هذا، وخالق عمرو بن العاص اله واحد!!

    كما كان بالغ الجرأة مقداما

    ولقد كان يمزج جرأته بدهائه في بعض المواطن، فيظن به الجبن أو الهلع.. بيد أنها سعة الحيلة، كان عمرو يجيد استعمالها في حذق هائل ليخرج نفسه من المآزق المهلكة..!!

    ولقد كام أمير المؤمنين عمر يعرف مواهبه هذه ويقدرها قدرها، من أجل ذلك عندما أرسله الى الشام قبل مجيئه الى مصر، قيل لأمير المؤمنين: ان على رأس جيوش الروم بالشام أرطبونا أي قائدا وأميرا من الشجعان الدهاة، فكان جواب عمر:

    " لقد رمينا أرطبون الروم، بأرطبون العرب، فلننظر عمّ تنفرج الأمور"..!!

    ولقد انفرجت عن غلبة ساحقة لأرطبون العرب، وداهيتهم الخطير عمرو ابن العاص، على أرطبون الروم الذي ترك جيشه للهزيمة وولى هاربا الى مصر، التي سيلحقه بها عمرو بعد قليل، ليرفع فوق ربوعها الآمنة راية الاسلام.


    **


    وما أكثر المواقف التي تألق فيها ذكاء عمرو ودهاؤه.

    وان كنا لا نحسب منها بحال موقفه من أبي موسى الأشعري في واقعة التحكيم حين اتفقا على أن يخلع كل منهما عليا ومعاوية، ليرجع الأمر شورى بين المسلمين، فأنفذ أبو موسى الاتفاق، وقعد عن انفاذه عمرو.

    واذا اردنا أن نشهد صورة لدهائه، وحذق بديهته، ففي موقفه من قائد حصن بابليون أثناء حربه مع الرومان في مصر وفي رواية تاريخية أخرى أنها الواقعة التي سنذكرها وقعت في اليرموك مع أرطبون الروم..

    اذ دعاه الأرطبون والقائد ليحادثه، وكان قد أعطى أمرا لبعض رجاله بالقاء صخرة فوقه اثر انصرافه من الحصن، وأعدّ كل شيء ليكون قتل عمرو أمرا محتوما..

    ودخل عمرو على القائد، لا يريبه شيء، وانفض لقاؤهما، وبينما هو في الطريق الى خارج الحصن، لمح فوق أسواره حركة مريبة حركت فيه حاسة الحذر بشدّة.

    وعلى الفور تصرّف بشكل باهر.

    لقد عاد الى قائد الحصن في خطوات آمنة مطمئنة وئيدة ومشاعر متهللة واثقة، كأن لم يفرّعه شيء قط، ولم يثر شكوكه أمر!!

    ودخل على القائد وقال له:

    لقد بادرني خاطر أردت أن أطلعك عليه.. ان معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين الى الاسلام، لا يقطع أمير المؤمنين أمرا دونمشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الاسلام الا جعلهم على رأس مقاتلته وجنوده، وقد رأيت أن آتيك بهم، حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة..

    وأدرك قائد الروم أن عمرا بسذاجة قد منحه فرصة العمر..!!

    فليوافقه اذن على رأيه، حتى اذا عاد ومعه هذا العدد من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقوادهم، أجهز عليهم جميعا، بدلا من أن يجهز على عمرو وحده..

    وبطريقة غير منظورة أعطى أمره بارجاء الخطة التي كانت معدّة لاغتيال عمرو..

    ودّع عمرو بحفاوة، وصافحه بحرارة،

    وابتسم داهية العرب، وهو يغادر الحصن..



    وفي الصباح عاد عمرو على رأس جيشه الى الحصن، ممتطيا صهوة فرسه، التي راحت تقهقه في صهيل شامت وساخر.

    أجل فهي الأخرى كانت تعرف من دهاء صاحبها الشيء الكثير..!!


    **


    وفي السنة الثالثة والأربعين من الهجرة أدركت الوفاة عمرو بن العاص بمصر، حيث كان واليا عليها..

    وراح يستعرض حياته في لحظات الرحيل فقال:

    ".. كنت أول أمري كافرا.. وكنت أشد الناس على رسول الله، فلو مت يومئذ لوجبت لي النار..

    ثم بايعت رسول الله، فما كان في الناس أحد أحب اليّ منه، ولا أجلّ في عيني منه.. ولو سئلت أن أنعته ما استطعت، لأني لم أكن أقدر أن أملأ عيني منه اجلالا له.. فلو متّ يومئذ لرجوت أن أكون من أهل الجنة..

    ثم بليت بعد ذلك بالسلطان، وبأشياء لاأدري أهي لي أم عليّ"..


    **


    ثم رفع بصره الى السماء في ضراعة، مناجيا ربه الرحيم العظيم قائلا:

    " اللهم لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر،

    والا تدركني رحمتك أكن من الهالكين"!!

    وظل في ضراعاته، وابتهالاته حتى صعدت الى الله روحه. وكانت آخر كلماته لا اله الا الله..



    وتحت ثرى مصر، التي عرّفها عمرو طريق الاسلام، ثوى رفاته..

    وفوق أرضها الصلبة، لا يزال مجلسه حيث كان يعلم، ويقضي ويحكم.. قائما عبر القرون تحت سقف مسجده العتيق جامع عمرو، أول ميجد في مصر يذكر فيه اسم الله الواحد الأحد، وأعلنت بين أرجائه ومن فوق منبره كلمات الله، ومبادئ الاسلام.
    ================================
    الحلقة الثامنة والعشرون :


    سهيل بن عمرو - من الطلقاء الى الشهداء


    عندما وقع أسيرا بأيدي المسلمين في غزوة بدر اقترب عمر بن الخطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:

    " يا رسول الله.. دعني أنزع ثنيّتي سهيل بن عمرو حتى لا يقوم عليك خطيبا بعد اليوم"..

    فأجابه الرسول العظيم:

    " كلا يا عمر..

    لا أمثل بأحد، فيمثل الله بي، وان كنت نبيا"..!

    ثم أدنى عمر منه وقال عليه السلام:

    " يا عمر..

    لعل سهيلا غدا يقف موقفا يسرّك"..!!
    ودارت نبوءة الرسول..

    وتحوّل أعظم خطباء قريش سهيل بن عمرو الى خطيب باهرمن خطباء الاسلام..

    وتحوّل المشرك اللدود.. الى مؤمن أوّاب، لا تكف عيناه من البكاء من خشية الله..!!

    وتحوّل واحد من كبار زعماء قرسش وقادة جيوشها الى مقاتل صلب في سبيل الاسلام.. مقاتل عاهد نفسه أن يظل في رباط وجهاد حتى يدركه الموت على ذلك، عسى الله أن يغفر ما تقدم من ذنبه..!!

    فمن كان ذلك المشرك العنيد، والمؤمن التقي الشهيد..؟؟


    **


    انه سهيل بن عمرو..

    واحد من زعماء قريش المبرّرين، ومن حكمائها وذوي الفطنة والرأي فيها..

    وهو الذي انتدبته قريش ليقنع الرسول بالعدول عن دخول مكة عام الحديبية..

    ففي أخريات العام الهجري السادس خرج الرسول وأصحابه الى مكة ليزوروا البيت الحرام، وينشؤا عمرة، لا يريدون حربا، وليسوا مستعدين لقتال..

    وعلمت قريش بمسيرهم الى مكة، فخرجت لتقطععليهم الطريق، وتصدّهم عن وجهتهم..

    وتأزم الموقف، وتوترت الأنفس..

    وقال الرسول لأصحابه:

    " لا تدعوني قريش اليوم الى خطة يسألونني فيها صلة الرحم الا أعطيتهم اياها"..

    وراحت قريش ترسل رسلها ومندوبيها الى النبي عليه الصلاة والسلام، فيخبرهم جميعا أنه لم يأت لقتال، انما جاء يزور البيت الحرام، ويعظم حرماته:

    وكلما عاد الى قريش أحد مندوبيها، أرسلوا من بعده آخر أقوى شكيمة، وأشد اقناعا حتى اختاروا عروة بن مسعود الثقفي وكان من أقواهم وأفطنهم.. وظنت قريش أن عروة قادر على اقناع الرسول بالعودة.

    ولكنه سرعان ما رجع اليهم يقول لهم:

    " يا معشر قريش..

    اني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه..

    واني والله ما رأيت ملكا قط يعظمه قومه، كما يعظم أصحاب محمد محمدا..!!

    ولقد رأيت حوله قوما لن يسلموه لسوء أبدا..

    فانظروا رأيكم"..!!


    **


    عندئذ آمنت قريش أنه لا جدوى من محاولاتها وقررت أن تلجأ الى المفاوضة والصلح.. واختارت لهذه المهمة أصلح زعمائها لها.. وكان سهيل بن عمرو..

    رأى المسلمون سهيلا وهو مقبل عليهم فعرفوه، وأدركوا أن قريشا آثرت طريق التفاهم والمصالحة، ما دامت قد بعثت آخر الأمر سهيلا..

    وجلس سهيل بين يدي الرسول، ودار حوار طويل انتهى بالصلح..

    وحاول سهيل أن يكسب لقريش الكثير.. وساعده على ذلك، التسامح النبيل والمجيد الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يديره في التفاوض والصلح..

    ومضت الأيام، ينادي بعضها بعضا، جتى جاءت السنة الثامنة من الهجرة.. وخرج الرسول والمسلمون لفتح مكة بعد أن نفضت قريش عهدها وميثاقها مع رسول الله.

    وعاد المهاجرون الى وطنهم الذين أخرجهم بالأمس كارهين..

    عادوا، ومعهم الأنصار الذين آووهم في مينتهم وآثروهم على أنفسهم..

    وعاد الاسلام كله، تخفق في جو السماء راياته الظافرة..

    وفتحت مكة جميع أبوابها..

    ووقف المشركون في ذهول.. ترى ماذا سيكون اليوم مصيرهم، وهم الذين أعملوا بأسهم في المسلمين من قبل قتلا، وحرقا، وتعذيبا، وتجويعا..؟!

    ولم يشأ الرسول الرحيم أن يتركهم طويلا تحت وطأة هذه المشاعر المذلة المنهكة.

    فاستقبل وجوههم في تسامح وأناة، وقال لهم ونبرات صوته الرحيم تقطر حنانا ورفقا:

    " يا معشر قريش..

    ما تظنون أني فاعل بكم"..؟؟

    هنالك تقدم خصم الاسلام بالأمس سهيل بن عمرو وقال مجيبا:

    " نظن خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم".

    وتألقت ابتسامة من نور على شفتي حبيب الله وناداهم:

    " اذهبوا...

    فأنتم الطلقاء"..!!

    لم تكن هذه الكلمات من الرسول المنتصر لتدع انسانا حيّ المشاعر الا أحالته ذوبا من طاعة وخجل، بل وندم..

    وفي نفس اللحظة استجاش هذا الموقف الممتلئ نبلا وعظمة، كل مشاعر سهيل بن عمرو فأسلم لله رب العالمين.

    ولم يكن اسلامه ساعتئذ، اسلام رجل منهزم مستسلم للمقادير.

    بل كان كما سيكشف عنه مستقبله فيما بعد اسلام رجل بهرته وأسرته عظمة محمد وعظمة الدين الذي يتصرّف محمد وفق تعاليمه، ويحمل في ولاء هائل رايته ولواءه..!!


    **


    أطلق على الذين أسلموا يوم الفتح اسم الطلقاء.. أي الذين نقلهم عفو الرسول من الشرك الى الاسلام حين قال لهم:

    " اذهبوا فأنتم الطلقاء"

    بيد أن نفرا من أولئك الطلقاء جاوزوا هذا الخط باخلاصهم الوثيق، وسموا الى آفاق بعيدة من التضحية والعبادة والطهر، وضعتهم في الصفوف الأولى بين أصحاب النبي الأبرار ومن هؤلاء سهيل بن عمرو.


    **


    لقد صاغه الاسلام من جديد.

    وصقل كل مواهبه الأولى، وأضاف اليها، ثم وضعها جميعا في خدمة الحق، والخير، والايمان..

    ولقد نعتوه في كلمات فقالوا:

    " السّمح، الجواد..

    كثير الصلاة، والصوم، والصدقة، وقراءة القرآن، والبكاء من خشية الله"..!!

    وتلك هي عظمة سهيل.

    فعلى الرغم من أنه أسلم يوم الفتح، لا قبله، نراه يصدق في اسلامه وفي يقينه، الى مدى الذي يتفوّق فيه على كل نفسه، ويتحوّل الى عابد، زاهد والى فدائي مجاهد في سبيل الله والاسلام.

    ولما انتقل الرسول الى الرفيق الأعلى، لم يكد النبأ يبلغ مكة، وكان سهيل يومئذ مقيما بها، حتى غشي المسلمين هناك من الهرج والذهول ما غشي المسلمين بالمدينة.

    واذا كان ذهول المدينة، قد بدّده أبو بكر رضي الله عنه ساعتئذ بكلماته الحاسمة:

    " من كان يعبد محمد، فان محمدا قد مات..

    ومن كان يعبد الله، فان الله حيّ لا يموت"..



    فسيأخذنا العجب حين نرى سهيلا رضي الله عنه هو الذي وقف بمكة، نفس موقف أبي بكر بالمدينة.

    فقد جمع المسلمين كلهم هناك، ووقف يبهرهم بكلماته الناجعة، يخبرهم أن محمدا كان رسول الله حقا.. وأنه لم يمت حتى أدّى الأمانة، وبلّغ الرسالة. وأنه واجب المؤمنين به أن يمعنوا من بعده السير على منهجه.

    وبموقف سهيل هذا، وبكلماته الرشيدة وايمانه الوثيق، درأ الفتنة التي كادت تقلع ايمان بعض الناس بمكة حين بلغهم نبأ وفاة الرسول..!!

    وفي هذا اليوم أكثر من سواه تألقت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ألم يكن لعمر يوم استأذنه في نزع ثنيتي سهيل أثناء أسره ببدر:

    " دعها فلعلها تسرك يوما"..؟!

    ففي هذا اليوم.. وحين بلغ المسلمين بالمدينة موقف سهيل بمكة وخطابه الباهر الذي ثبت الايمان في الأفئدة، تذكر عمر بن الخطاب نبوءة الرسول.. وضحك طويلا، اذ جاء اليوم الذي انتفع فيه الاسلام بثنيتي سهيل اللتين كان عمر يريد تهشيمهما واقتلاعهما..!!


    **


    عندما أسلم سهيل يوم الفتح.

    وبعد أن ذاق حلاوة الايمان، أخذ على نفسه عهدا لخصه في هذه الكلمات:

    " والله لا أدع موقفا من المشركين، الا وقفت مع المسلمين مثله... ولا نفقة أنفقتها مع المشركين الا أنفقت مع المسلمين مثلها، لعل أمري أن يتلو بعضه بعضا"..!!

    ولقد وقف مع المشركين طويلا أمام أصنامهم..

    فليقف الآن طويلا وطويلا مع المؤمنين بين يدي الله الواحد الأحد.

    وهكذا راح يصلي.. ويصلي..

    ويصوم.. ويصوم..

    ولا يدع عبادة تجلو روحه، وتقربه من ربه الأعلى الا أخذ منها حظا وافيا..

    وكذلك كان في أمسه يقف مع المشركين في مواطن العدوان والحرب ضد الاسلام.

    فليأخذ الآن مكانه في جيش الاسلام، مقاتلا شجاعا، يطفئ مع كتائب الحق نار فارس التي يعبدونها من دون الله، ويحرقون فيها مصاير الشعوب التي يستعبدونها. ويدمدم مع كتائب الحق أيضا على ظلمات الرومان وظلمهم..

    وينشر كلمة التوحيد والتقوى في كل مكان.



    وهكذا خرج الى الشام مع جيوش المسلمين، مشاركا في حروبها.

    ويوم اليرموك حيث خاض المسلمون موقعة تناهت في الضراوة والعنف والمخاطرة..

    كان سهيل بن عمرو يكاد يطير من الفرح، اذ وجد هذه الفرصة الدسمة لكي يبذل من ذات نفسه في هذا اليوم العصيب ما يمحق به خطايا جاهليته وشركه..


    **


    وكان يحب وطنه مكة حبا ينسيه نفسه..

    ومع ذلك، فقد أبى أن يرجع اليها بعد انتصار المسلمين بالشام وقال:

    " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مقام أحدكم في سبيل الله ساعة، خير له من عمله طوال عمره..

    واني لمرابط في سبيل الله حتى أموت، ولن أرجع الى مكة"..!!


    **


    ووفى سهيل عهده..

    وظل بقيّة حياته مرابطا، حتى جاء موعد رحيله، فطارت روحه مسرعة الى رحمة من الله ورضوان..
    ====================================
    الحلقة التاسعة والعشرون :

    عبدالله بن الزبير - أي رجل وأي شهيد

    كان جنينا مباركا في بطن أمه، وهي تقطع الصحراء اللاهبة مغادرة مكة الى المدينة على طريق الهجرة العظيم.

    هكذا قدّر لعبدالله بن الزبير أن يهاجر مع المهاجرين وهو لم يخرج الى الدنيا بعد، ولم تشقق عنه الأرحام..!!

    وما كادت أمه أسماء رضي الله عنها وأرضاها، تبلغ قباء عند مشارف المدينة، حتى جاءها المخاض ونزل المهاجر الجنين الى أرض المدينة في نفس الوقت الذي كان ينزلها المهلجرون من أصحاب رسول الله..!!

    وحمل أول مولود في الهجرة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره بالمدينة مقبّله وحنّكه، وكان أول شيء دخل جوف عبدالله بن الزبير ريق النبي الكريم.
    واحتشد المسلمون في المدينة، وحملوا الوليد في مهده، ثم طوّفوا به في شوارع المدينة كلها مهللين مكبّرين.

    ذلك أن اليهود حين نزل الرسول وأصحابه المدينة كبتوا واشتعلت أحقادهم، وبدؤا حرب الأعصاب ضد المسلمين، فأشاعوا أن كهنتهم قد سحروا المسلمين وسلطوا عليهم العقم، فلن تشهد المدينة منهم وليدا جديدا..

    فلما أهلّ عبدالله بن الزبير عليهم من عالم الغيب، كان وثيقة دمغ بها القدر افك يهود المدينة وأبطل كيدهم وما يفترون..!!

    ان عبدالله لم يبلغ مبلغ الرجال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ولكنه تلقى من ذلك العهد، ومن الرسول نفسه بحكم اتصاله الوثيق به، كل خامات رجولته ومبادئ حياته التي سنراها فيما بعد ملء الدنيا وحديث الناس..

    لقد راح الطفل ينمو نموّا سريعا، وكان خارقا في حيويته، وفطنته وصلابته..

    وارتدى مرحلة الشباب، فكان شبابه طهرا، وعفة ونسكا، وبطولة تفوق الخيال..

    ومضى مع أيامه وقدره، لا تتغيّر خلائقه ولا تنبوبه رغائبه.. انما هو رجل يعرف طريقه، ويقطعه بعزيمة جبارة، وايمان وثيق وعجيب..


    **


    وفي فتح افريقية والأندلس، والقسطنطينية. كان وهو لم يجاوز السابعة والعشرين بطلا من أبطال الفتوح الخالدين..

    وفي معركة افريقية بالذات وقف المسلمون في عشرين ألف جندي أمام عدو قوام جيشه مائة وعشرون ألفا..

    ودار القتال، وغشي المسلمين خطر عظيم..

    وألقى عبد الله بن الزبير نظرة على قوات العدو فعرف مصدر قوتهم. وما كان هذا المصدر سوى ملك البربر وقائد الجيش، يصيح في جنوده ويحرضهم بطريقة تدفعهم الى الموت دفعا عجيبا..

    وأدرك عبدالله أن المعركة الضارية لن يحسمها سوى سقوط هذا القائد العنيد..

    ولكن أين السبيل اليه، ودون بلوغه جيش لجب، يقاتل كالاعصار..؟؟

    بيد أن جسارة ابن الزبير واقدامه لم يكونا موضع تساؤول قط..!!

    هنالك نادى بعض اخوانه، وقال لهم:

    " احموا ظهري، واهجموا معي"...

    وشق الصفوف المتلاحمة كالسهم صامدا نحو القائد، حتى اذا بلغه، هو عليه في كرّة واحدة فهوى، ثم استدار بمن معه الى الجنود الذين كانوا يحيطون بملكهم وقائدهم فصرعوهم.. ثم صاحوا الله أكبر..

    ورأى المسلمون رايتهم ترتفع، حيث كان يقف قائد البربر يصدر أوامره ويحرّض جيشه، فأدركوا أنه النصر، فشدّوا شدّة رجل واحدة، وانتهى كل شيء لصالح المسلمين..

    وعلم قائد الجيش المسلم عبدالله بن أبي سرح بالدور العظيم الذي قام به ابن الزبير فجعل مكافأته أن يحمل بنفسه بشرة النصر الى المدينة والى خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه..


    **


    على أن بطولته في القتال كانت برغم تفوقها واعجازها تتوارى أمام بطولته في العبادة.

    فهذا الذي يمكن أن يبتعث فيه الزهو، وثني الأعطاف، أكثر من سبب، يذهلنا بمكانه الدائم والعالي بين الناسكين العابدين..

    فلا حسبه، ولا شبابه، ولا مكانته ورفعته، ولا أمواله ولا قوته..

    لا شيء من ذلك كله، استطاع أن يحول بين عبدالله بن الزبير وبين أن يكون العابد الذي يصوم يومه، ويقوم ليله، ويخشع لله خشوعا يبهر الألباب.

    قال عمر بن عبدالعزيز يوما لابن أبي مليكة:صف لنا عبدالله بن الزبير..فقال:

    " والله ما رأيت نفسا ركبت بين جنبين مثل نفسه..

    ولقد كات يدخل في الصلاة فيخرج من كل شيء اليها..

    وكان يركع أو يسجد، فتقف العصافير فوق ظهره وكاهله،

    لا تحسبه من طول ركوعه وسجوده الا جدارا، أو ثوبا مطروحا..

    ولقد مرّت قذيفة منجنيق بين لحيته وصدره وهو يصلي، فوالله ما أحسّ بها ولا اهتز لها، ولا قطع من أجلها قراءته، ولا تعجل ركوعه"..!!



    ان الأنباء الصادقة التي يرويها التاريخ عن عبادة ابن الزبير لشيء يشبه الأساطير..

    فهو في صيامه، وفي صلاته، وفي حجه، وفي علوّ همّته، وشرف نفسه..

    في سهره طوال العمر قانتا وعبدا..

    وفي ظمأ الهواجر طوال عمره صائما مجاهدا..

    وفي ايمانه الوثيق بالله، وفي خشيته الداشمة له..

    هو في كل هذا نسيج وحده..!

    سئل عنه ابن عباس فقال على الرغم مما كان بينهما من خلاف:

    " كان قارئا لكتاب الله، متبعا سنة رسوله.. قانتا لله، صائما في الهواجر من مخافة الله.. ابن حواريّ رسول الله.. وأمه أسماء بنت الصديق.. وخالته عائشة زوجة رسول الله.. فلا يجهل حقه الا من أعماه الله"..!!


    **


    وهو في قوة خلقه وثبات سجاياه، يزري بثبات الجبال..

    واضح شريف قوي، على استعداد دائم لأن يدفع حياته ثمنا لصراحته واستقامة نهجه..

    أثناء نزاعه مع الأمويين زاره الحصين بن نمير قائد الجيش الذي أرسله يزيد لاخماد ثورة بن الزبير..

    زاره اثر وصول الأنباء الى مكة بموت يزيد..

    وعرض عليه أن يذهب معه الى الشام، ويستخدم الحصين نفوذه العظيم هناك في أخذ البيعة لابن الزبير..

    فرفض عبدالله هذه الفرصة الذهبية،لأنه كان مقتنعا بضرورة القصاص من جيش الشام جزاء الجرائم البشعة التي ارتكبها رجاله من خلال غزوهم الفاجر للمدينة، خدمة لأطماع الأمويين..

    قد نختلف مع عبدالله في موقفه هذا، وقد نتمنى لو أنه آثر السلام والصفح، واستجاب للفرصة النادرة التي عرضها عليه الحصين قائد يزيد..

    ولكنّ وقفة الرجل أي رجل، الى جانب اقتناعه واعتقاده.. ونبذه الخداع والكذب، أمر يستحق الاعجاب والاحترام..



    وعندما هاجمه الحجاج بجيشه، وفرض عليه ومن معه حصارا رهيبا، كان من بين جنده فرقة كبيرة من الأحباش، كانوا من أمهر الرماة والمقاتلين..

    ولقد سمعهم يتحدثون عن الخليفة الراحل عثمان رضي الله عنه، حديثا لا ورع فيه ولا انصاف، فعنّفهم وقال لهم:" والله ما أحبّ أن أستظهر على عدوي بمن يبغض عثمان"..!!

    ثم صرفهم عنه في محنة هو فيها محتاج للعون، حاجة الغريق الى أمل..!!

    ان وضوحه مع نفسه، وصدقه مع عقيدته ومبادئه، جعلاه لا يبالي بأن يخسر مائتين من أكفأ الرماة، لم يعد دينهم موضع ثقته واطمئنانه، مع أنه في معركة مصير طاحنة، وكان من المحتمل كثيرا أن يغير اتجاهها بقاء هؤلاء الرماة الأكفاء الى جانبه..!!


    **


    ولقد كان صموده في وجه معاوية وابنه يزيد بطولة خارقة حقا..

    فقد كا يرى أن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان آخر رجل يصلح لخلافة المسلمين، ان كان يصلح على الاطلاق.. هو محق في رأيه، فـ يزيد هذا كان فاسدا في كل شيء.. لم تكن له فضيلة واحدة تشفع لجرائمه وآثامه التي رواها النا التاريخ..

    فكيف يبايعه ابن الزبير؟؟

    لقد قال كلمة الرفض قوية صادعة لمعاوية وهو حي..

    وها هو ذا يقولها ليزيد بعد أن صار خليفة، وأرسل الى ابن الزبير يتوعده بشرّ مصير..

    هناك قال ابن لزبر:

    " لا أبايع السكّير أبدا".

    ثم أنشد:

    ولا الين لغير الحق أساله حتى يلين لضرس الماضغ الحجر


    **


    وظل ابن الزبير أميرا للمؤمنين، متخذا من مكة المكرّمةعاصمة خلافته، باسطا حكمه على الحجاز، واليمن والبصرة الكوفة وخراسان والشام كلها ما عدا دمشق بعد أن بايعه أهل الأمصار جميعا..

    ولكن الأمويين لا يقرّ قرارهم، ولا يهدأ بالهم، فيشنون عليه حروبا موصولة، يبوءون في أكثرها بالهزيمة والخذلان..

    حتى جاء عهد عبدالملك بن مروان حين ندب لمهاجمة عبدالله في مكة واحدا من أشقى بني آدم وأكثرهم ايغالا في القسوة والاجرام..

    ذلكم هو الحجاج الثقفي الذي قال عنه الامام العادل عمر بن عبدالعزيز:

    " لو جاءت كل أمة بخطاياها، وجئنا نحن بالحجاج وحده، لرجحناهم جميعا"..!!


    **


    ذهب الحجاج على رأس جيشه ومرتزقته لغزومكة عاصمة ابن الزبير، وحاصرها وأهلها قرابة ستة أشهر مانعا عن الناس الماء والطعام، كي يحملهم على ترك عبدالله بن الزبير وحيدا، بلا جيش ولا أعوان.

    وتحت وطأة الجوع القاتل استسلم الأكثرون، ووجد عبدالله نفسه، وحيدا أو يكاد، وعلى الرغم من أن فرص النجاة بنفسه وبحياته كانت لا تزال مهيأة له، فقد قرر أن يحمل مسؤوليته الى النهاية، وراح يقاتل جيش الحجاج في شجاعة أسطورية، وهو يومئذ في السبعين من عمره..!!

    ولن نبصر صورة أمينةلذلك الموقف الفذ الا اذا اصغينا للحوار الذي دار بين عبدالله وأمه. العظيمة المجيدة أسماء بنت أبي بكر في تلك الساعات الأخيرة من حياته.

    لقد ذهب اليها، ووضع أمامها صورة دقيقة لموقفه، وللمصير الذي بدأ واضحا أنه ينتظره..

    قالت له أسماء:

    " يا بنيّ: أنت أعلم بنفسك، ان كنت تعلم أنك على حق، وتدعو الى حق، فاصبر عليه حتى تموت في سبيله، ولا تمكّن من رقبتك غلمان بني أميّة..

    وان كنت تعلم أنك أردت الدنيا، فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك.

    قل عبد الله:

    " والله يا أمّاهىما أردت الدنيا، ولا ركنت اليها.

    وما جرت في حكم الله أبدا، ولا ظلمت ولا غدرت"..

    قالت أمه أسماء:

    " اني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا ان سبقتني الى الله أو سبقتك.

    اللهم ارحم طول قيامه في الليل، وظمأه في الهواجر، وبرّه بأبيه وبي..

    اللهم اني اسلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبدالله بن الزبير ثواب الصابرين الشاكرين.!"

    وتبادلا معا عناق الوداع وتحيته.

    وبعد ساعة من الزمان انقضت في قتال مرير غير متكافئ، تلقى الشهيد العظيم ضربة الموت، في وقت استأثر الحجاج فيه بكل ما في الأرض من حقارة ولؤم، فأبى الا أن يصلب الجثمان الهامد، تشفيا وخسّة..!!


    **


    وقامت أمه، وعمره يومئذ سبع وتسعون سنة، قامت لترى ولدها المصلوب.

    وكالطود الشامخ وقفت تجاهه لا تريم.. واقترب الحجاج منها في هوان وذلة قائلا لها:

    يا أماه، ان أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان قد أوصاني بك خيرا، فهل لك من حاجة..؟

    فصاحت به قائلة:

    " لست لك بأم..

    انما أنا أم هذا المصلوب على الثنيّة..

    وما بي اليكم حاجة..

    ولكني أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يخرج من ثقيف كذاب ومبير"..

    فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير، فلا أراه الا أنت"!!

    واقدم منها عبد الله بن عمر رضي الله عنه معزيا، وداعيا اياها الى الصبر، قأجابته قائلة:

    " وماذا يمنعني من الصبر، وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا الى بغيّ من بغايا بني اسرائيل"..!!

    يا لعظمتك يا ابنة الصدّيق..!!

    أهناك كلمات أروع من هذه تقال للذين فصلوا رأس عبدالله بن الزبير عن رأسه قبل أن يصلبوه..؟؟

    أجل.. ان يكن رأس ابن الزبير قد قدّم هديّة للحجاج وعبدالملك.. فان رأس نبي كريم هو يحيى عليه السلام قد قدم من قبل هدية لـ سالومي.. بغيّ حقيرة من بني اسرائيل!!

    ما أروع التشبيه، وما أصدق الكلمات.


    **


    وبعد، فهل كان يمكن لعبدالله بن الزبير أن يحيا حياته دون هذا المستوى البعيد من التفوّق، والبطولة والصلاح، وقد رضع لبان أم من هذا الطراز..؟؟

    سلام على عبدالله..

    وسلام على أسماء..
    سلام عليهما في الشهداء الخالدين..

    وسلام عليهما في الأبرار المتقين.

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-05-12, 06:22