زيد بن الخطاب
( شهيد اليمامة )


كثيرون هم أولئك الذين يعرفون عمر بن الخطاب ،أمير المؤمنين ويسمعون عن شجاعته ونزاهته وعدالته


ولكن القلة القليلة هى التى تعلم أنه كان لعمر شقيق تمنى عمر نفسه ان يتشبه ببطولته النادرة ،


وإخلاصه - الذى لا مثيل له -لدينه وعقيدته .


فمن ياترى هذا الذى تمنى عمر بن الخطاب أن يشبهه ؟!


إنه زيد بن الخطاب الشقيق الأكبر لعمر:


نشأ زيد مع أخيه أحسن ما تكون النشأة ،فقد كان الخطاب أبوهما من سادة القوم ،


وكان البيت الذى يعيشان فيه بيت كرم وعز .


ولعل فترة الطفولة التى عاشها زيد وعمر قد أثرت فى شخصية كل منهما


وجعلت بينهما تفاوتا واختلافا فى الجانب النفسى


أما زيد :


فقد كان مقربا من قلب أبيه يعامله ببعض اللين والرفق،


ويحنو عليه بعض الشئ،فربى ذلك عنده عامل الثقة ،وهدوء الطبع ،


وقلة الثورة واستعمال الأناة ،وإظهار البشاشة .


وأما عمر! فقد كان لشدة شقاوته حال الطفولة يضرب ويعاقب ،


فجعلت منه هذه المعاملة الأبوية ثائرا شديدا مندفعا .


وسارت الحياة بالأخوين كما تسير بكل من يحيا فى جزيرة العرب ،


فروسية ولهو ، وخمر و طرب ، خضوع للأوثان وتقرب إليها.


وظلت الحياة هكذا إلى أن هتفت السماء بمحمد بن عبد الله فى صوت سفير الملائكة جبريل


عليه السلام


وفى دعوة الحق التى جاء بها محمد رسول الله ثار جدل عنيف بين أهل مكة شبابا


ورجالا ونساء بين مصدق بها ومكذب لها ، فأسرعت إليها أقوام ، وانطوى تحت


لوائها ملأ وعاداها ملأ .



وكان من بين من صدق بها ووجد فى نفسه قبولا لها منذ البداية


زيد بن الخطاب الذى هب مسرعا لمبايعة الرسول المعظم ،


وشهد أمامه شهادة الحق .


وبذلك يكون زيد بن الخطاب أسبق من عمر فى الدخول إلى الإسلام .


وبدأ زيد جهاده المقدس، يذود عن حمى الإسلام ويحمى عرينه ،


ويدفع كل من يحاول إيذاء رسول الله من أهل مكة .


وحينما طغى المكيون وزادوا من حملتهم ضد الرسول وأصحابه ،


أذن لهم بالهجرة إلى المدينة ، فكان زيد بن الخطاب من بين المهاجرين.


ووقف الرسول المعظم يقول : يا فلان من المهاجرين أخوك فلان من الأنصار .


ونظر – صلى الله عليه وسلم – إلى زيد بن الخطاب المكى ، وإلى معن بن عدى


بن عجلان الأنصارى وكأنه وجد بينهما تقاربا فى الهدوء وتشابها فى الطباع



فآخى بينهما . ومن يومها كان زيد نعم الصديق لمعن ، وكان معن نعم الوفى لزيد .


وسارت عجلة الحياة بالناس إلى أن جاء يوم بدر يدعو المؤمنين لملاقاة المشركين


فسارع زيد بتلبية الدعوة ،مقاتلا فى صفوف الحق ضد الباطل وأهله .


وتنتهى المعركة ، وشكر العائدون لزيد حسن صنيعه فى ساحة المعركة ، واستماتته


فى الذودعن دينه وعقيدته .


وجاءت غزوة
أحد، وجرى فيها ما جرى ، فكان زيد بن الخطاب من الثابتين مع رسول الله –صلى
اله عليه وسلم – يضرب ذات اليمين وذات الشمال حتى عادت الأمور إلى نصابها ،
وقد أجمع كتاب السير على أن زيدا كان فى غزوة أحد بطلا مغوارا يضرب به
المثل فى الشجاعة والثبات ، فقد ظل يقاتل فى استبسال شديد



لا هم له ولا هدف سوى الدفاع عن رسول الله الذى أشيع أنه قتل .


مضت الأيام بمدها وجزرها ، وكلما جاءت غزوة لبى زيد النداء


وسارع مع المسارعين إلى مجاهدة الأعداء حتى قال عنه ابن عبد البر :


شهد زيد بن الخطاب المشاهد كلها مع رسول الله .


وفى وقت محتوم نعت المدينة رسول الله ، وبكته أشد ما يكون من البكاء


وزرفت الدموع بغزارة من عين زيد و أجهشه البكاء ، وحق له أن يبكى ويجهش ،


فقد غاب الجسد الطاهر ، ورحل القلب النقى الذى طالما تمنى الهداية لقوم أذاقوه


الأمرين وهو راض صابر متماسك .


ولم يخفف من ألم المأساة سوى خطبة أبى بكر الصديق ، والتى تلا فيها قول الله :


{ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم


ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين } آل عمران ::144


وهنا قال زيد بن الخطاب :


,, حقا .. حقا ،لقد مات رسول الله ولن تموت رسالته ، بل ستبقى إلى أن يرث الله


الأرض ومن عليها ، فلابد من مواصلة المسيرة حتى نلقى رسول الله ,,


وتحت قيادة أبى بكر واصلت الأمة مسيرتها ، وبدأت التحديات تظهر على الساحة .


فهؤلاء
جماعة قد ارتدوا عن الإسلام ، وهؤلاء آخرون قد امتنعوا عن دفع الزكاة وها
هو مسيلمة الكذاب يجمع الناس حوله زاعما أنه رسول من عند الله ، وها هم
الناس يلتفون حوله فى اليمامة .



وأدرك أبو بكر أن الخطر يأتى من قبل مسيلمة الكذاب لكثرة الملتفين حوله.


واقترح الرحال بن عنفوة أن يكون مبعوث الصديق إلى أهل اليمامة يثبتهم


على الإيمان ويعيدهم إلى حظيرة الإسلام .


وذهب الرحال بن عنفوة إلى اليمامة ، ولكنه لم يفعل ما عاهد عليه الخليفة ،


بل انبهر بكثرة أنصار مسيلمة وظن أنهم غالبون بوفرة العدد فترك الإسلام


وانضم إلى صفوف الكذاب .


وعلم أبو بكر بالخبر .. فأشار على الصحابة بقمع حركة المرتدين ،فوافق الجميع

خرج الناس ، وخرج معهم زيد بن الخطاب ، فى معركة يقودهاخالد بن الوليد

بأمر من أبى بكر الصديق .


وعلم زيد بن الخطاب الذى كان يصول ويجول داخل المعركة أن الحال بن عنفوة


هو أصل الداء ، فكان زيد يتحرق شوقا للقائه .


ودفع خالد بن الوليداللواء إلى زيد ، ومالت المعركة على المسلمين ...


وسقط شهداء وشهداء.


حينئذا اعتلى زيد ربوة عالية وصاح فى المسلمين :


أيها الناس عُضوا على أضراسكم ، واضربوا عدوكم ، وامضوا قُدما ، والله


لاأتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقاه بحجتى .


ونزل زيد من فوق الربوة وهو يقول : "اللهم إنى أبرأُ إليك مما جاء به


مسيلمة والحكم بن الطفيل ..


وحمل العلم خفاقا وهو يتقدم فى سرعة نحو العدو ، يضرب يمينا وشمالا


بسيفه ، وعينيه تبحث فى كل مكان عن الرحال بن عنفوة حتى أبصره ، وأخذ زيد يتتبعه حتى وقف أمامه وهو يقول له:


"والله لأتقربن إلى الله برأسك" ثم ضربه ضربة باعدت بين العنق والجسد


وتحققت أمنية زيد بن الخطاب.


وتمنى زيد الشهادة فسأل الله إياها ، فراح يقتل من المشركين العدد الجم


وبينما هو كذلك إذ جاءه سهم من الخلف جعله يخر عن جواده شهيدا .


ومن محاسن القدر أن يراه معن بن عدى الأنصارى الذى آخى الرسول العظيم


بينه وبين
زيد.. يرى صديقه يقتل ، فصاح طالبا من المسلمين الثبات ، وما هى
إلاهُنيهةحتى وقع معن بجوار صديق الإيمان شهيدا فنام مع صديقه نومتهما
الأبدية واجتمعا مع بعضيهما البعض فى الدنيا والآخرة.



تلك هى حكاية زيد بن الخطاب الذى تمنى عمر أن يكون مثله ،


وهذه عظمته سيظل التاريخ يرويها للأجيال لتعرف


أنه عظيم كأخيه الفاروق العظيم



فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ........ إن التشبه بالرجال فلاحُ



منقول