قرأت لك مع أربع آيات من سورة (( ص))

قرأت لك


بسم الله الرحمن الرحيم
مع أربع آيات من سورة (( ص))
قال تعالى :
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}الآيات : 30-31-32-33( سورة ص).
في تفسير هذه الآيات ...زلت أقلام ... وخاضت ألسنة ... فجاء معناها غير صحيح .. وغير مقبول ... ولا معقول ... فلقد ورد في تفسير هذه الآيات : أن الجياد الصافنات عرضن على سليمان – عليه السلام – واستمر العرض حتى غابت الشمس وذهب وقت صلاة العصر فقال : ردوها علي فعقرها وضرب أعناقها وعراقيبها .
ولكن هذا التفسير غير صحيح ومخالف لمعنى الآيات ومفهومها الصحيح .

*فالآية 30 أثبتت أن سليمان بن داوود – عليهما السلام – فهو نبي بن نبي ، وهو نعم العبد لأنه كثير الرجوع إلى الله أوَّاب إليه .
*كما أن الآيات نصت على أن الجياد الصافنات ( التي تقوم على ثلاث قوائم وتكون الرابعة على الحافر ) عُرضت على سليمان – عليه السلام – وكانت سريعة العدو . فهل كان العرض أن ينظر إليها فحسب أم أن العرض شمل جريها السريع كما هي العادة في عرض الجياد ؟
والجواب : أن المفهوم من الآيات أنها أطلقت للجري وبسبب هذا الجري السريع غابت وراء الآفاق ، فسُرَّ سليمان – عليه السلام – من سرعتها وقال : ردوها علي أي: لتعد من جريها إلي بعد انتهاء العرض حتى أكرمها

*فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي
*ومعظم كتب التفسير تشير إلى أن سليمان – عليه السلام – شغل بالخيل وعرضها حتى ألهته عن صلاة العصر .
وهذا المعنى لا يستقيم أبدا ...
فلا يعقل أبدا أن سليمان – عليه السلام – أحب الخيل وآثرها على ذكر الله ، كما لا يعقل أيضا أن تكون الخيل والاستمتاع بها سببا لإشغال نبي وصفه الله بأنه ( نعم العبد إنه أواب ) والمعنى الأقرب هو أن سليمان – عليه السلام – قال : إني أحب الخيل حبا نابعا عن ذكر الله ، وما يفرضه عليه هذا الذكر من إعداد القوة لنصرة دين الله .

*حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ
*توارت : أي الخيل ... انطلقت في جريها أثناء العرض حتى غابت وراء الأفق عن الأنظار ..
لا كما يقل : حتى غابت الشمس وراء الأفق .. فهذا تكلف وتأويل سقيم ... وذلك أنه لم يرد ذكر الشمس لا من قريب ولا من بعيد ....
والسؤال الذي يدور هنا : هل كانت الصلاة أيام سليمان – عليه السلام- أو في ديانته مثل صلاتنا اليوم خمس صلوات ؟
الذي تعلمناه أن صلاتنا التي نعرفها اليوم من الكتاب والسنة حددت في الإسراء والمعراج لأول مرة على هذا النحو . فلم تكن الصلاة في رسالة موسى أو في رسالة عيسى- عليهما السلام – ولا في رسالة الأنبياء قبل ذلك محددة بخمس مرات في اليوم . ولو كان ذلك لظهرت آثارها اليوم عند اليهود والنصارى ولكننا لا نجد هذه الآثار .
لقد كانت الصلاة مشروعة ومفروضة في رسالة جميع الأنبياء والمرسلين ، ولكنها أخذت تشريعها النهائي في رسالة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – في المعراج .
فمن أين جاء ذكر صلاة العصر عند سليمان – عليه السلام – في تفسير هذه الآية الكريمة ؟!!
لا نجد سندا من اللغة ولا من القرآن ولا من السنة على التأويل الذي يدخل ( الشمس ) فيه ، ويدخل ( صلاة العصر ) كذلك .... ثم يأتي بعد ذلك قول الله تعالى :

*رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ
ففي بعض كتب التفسير ورد أن سليمان - عليه السلام – قال لا والله لا تشغلني الخيل عن عبادة ربي .. ثم قال : ردوها علي .. ثم أمر بها فعقرت ... وهذا أيضا غير مقبول ولا معقول ....
لأنه لو فرضنا أنه شغل بالخيل .. فما هو ذنب الخيل حتى يأمر بعقرها ؟! وكان حسبه أن يستغفر ويتوب وأن يحفظ الخيل قوة لدين الله .
وكذلك جاء النص : (فَطَفِقَ مَسْحًا ...) ومعنى ذلك : أن الذي قام بهذا العمل هو سليمان – عليه السلام – نفسه لا غيره ..
فهل قام سليمان بعقر الخيل كلها بيده .. وهذا بعيد الاحتمال لأنه سيشغل بذبحها أكثر مما شغل – على حد زعمهم – باستعراضها .
كما أن عقر الخيل تبذير وإسراف وعدم تقدير لنعمة الله وفضله ، وإضاعة لأموال المسلمين ، وإضاعة لقوة أمر الله بإعدادها والعناية بها لحماية الأمة والدين فقد قال الله تعالى :
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ ....}
كما أن كلمة ( المسح ) لا تدل على الذبح والعقر ...
والصحيح : ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن نبي الله سليمان – عليه السلام – مر على الخيل يمسح أعناقها وسيقانها تحببا لها وتكريما لقوة من قوى الإسلام ونعمة من نعم الله ... كما أن مسح أعناق الخيل وسيقانها عادة متبعة تعرفها الشعوب كلها قديما وحديثا ...
وخلاصة القول : إن معنى الآيات يكون أكثر اتساقا وتناسقا مع اللغة وقواعد الإسلام وما عرفته الشعوب من عادات لتكريم الخيل حين نفهمه على النحو التالي :
إن سليمان – عليه السلام – كان نعم العبد – كثير الذكر لله ، أواب إليه ، وتبرز هذه الصفات باهتمامه بإعداد قوة الإسلام للجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته ... فأعد الخيل واستعرضها استعراضا شمل وقوفها وجريها حتى إذا اطمأن إلى قوتها بما رآه من هيئتها وسرعة جريها ... أمر بإعادتها إليه ... فمسح بيده على أعناقها تحببا لها وتكريما لها ... وحمدا لله على ما وهبه من هذه النعمة العظيمة ...
والله تعالى أعلى وأعلم ..