المنتدى الرسمى لصوت الرملة بنها

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخى الزائر... ... أختى الزائرة
أهلاً بك عضوًا جديدًا ... وضيفًا كريمًا
معرفتك تسرنا... وتواصلنا معك يسعدنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

المنتدى الرسمى لصوت الرملة بنها

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أخى الزائر... ... أختى الزائرة
أهلاً بك عضوًا جديدًا ... وضيفًا كريمًا
معرفتك تسرنا... وتواصلنا معك يسعدنا

المنتدى الرسمى لصوت الرملة بنها

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المنتدى الرسمى لصوت الرملة بنها

منتدى صوت الرملة بنها قليوبية forum soutelramla

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي اللَّه عنْهُما أَنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَان يقُولُ عِنْد الكرْبِ : « لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ ، وربُّ الأَرْض ، ورَبُّ العرشِ الكريمِ » متفقٌ عليه .
اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت الله ، الله ربي لاأشرك به شيئاً .رواه ابن ماجه .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعوة النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت :" لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له ..صحيح الترمذي
موقع اخبارى مميز لطلاب قسم الاعلام ببنها ادخل ومش هاتندم
http://www.elgaras.com

اقسام المنتدى

المواضيع الأخيرة

» صوت الرملة يقدم من سلسلة كتب صوتيات اللغة الفرنسية كتاب Phonétique - 350 exercices (Livre + Audio) هدية من الاستاذ عمرو دسوقى
قصص الانبياء 7 Empty2016-04-26, 17:16 من طرف heba1977

» موقع اخبارى مميز
قصص الانبياء 7 Empty2016-04-12, 14:18 من طرف الخولى

»  مكتبه الفنان عبده النزاوي
قصص الانبياء 7 Empty2016-03-19, 17:08 من طرف حازم هارون

»  مكتبه مطرب الكف ياسر رشاد
قصص الانبياء 7 Empty2016-03-18, 17:51 من طرف حازم هارون

»  مكتبه مطرب الكف - رشاد عبد العال - اسوان
قصص الانبياء 7 Empty2016-03-18, 17:48 من طرف حازم هارون

» يلم دراما الزمن الجميل الرائع - أنا بنت مين, فريد شوقي, ليلى فوزي , حسين رياض
قصص الانبياء 7 Empty2016-03-13, 10:39 من طرف نعناعه

» فيلم الحرمان فيروز نيللي
قصص الانبياء 7 Empty2016-03-13, 10:35 من طرف نعناعه

» المسلسل البدوي البريئة
قصص الانبياء 7 Empty2016-03-13, 10:33 من طرف نعناعه

» مسلسل وضحا وابن عجلان
قصص الانبياء 7 Empty2016-03-13, 10:32 من طرف نعناعه

اقسا م المنتدى

select language

أختر لغة المنتدى من هنا

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 16 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 16 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 315 بتاريخ 2012-06-09, 21:38

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 11145 مساهمة في هذا المنتدى في 7231 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 11888 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو المصري فمرحباً به.

تصويت


    قصص الانبياء 7

    sla7
    sla7
    مدير الادارة
    مدير الادارة


    عدد المساهمات : 2887
    نقاط : -2147483186
    السٌّمعَة : 65
    تاريخ التسجيل : 10/11/2010
    الموقع : http://www.tvquran.com/

    قصص الانبياء 7 Empty قصص الانبياء 7

    مُساهمة من طرف sla7 2010-12-10, 06:02

    لنبتدأ المحنة الثانية، والفصل الثاني من حياته.


    ثم يكشف اللهتعالى مضمون القصة البعيد في بدايتها (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِوَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). لقد انطبقت جدرانالعبودية على يوسف. ألقي في البئر، أهين، حرم من أبيه، التقط من البئر،صار عبدا يباع في الأسواق، اشتراه رجل من مصر، صار مملوكا لهذا الرجل..انطبقت المأساة، وصار يوسف بلا حول ولا قوة.. هكذا يظن أي إنسان.. غير أنالحقيقة شيء يختلف عن الظن تماما.

    ما نتصور نحن أنه مأساة ومحنةوفتنة.. كان هو أول سلم يصعده يوسف في طريقه إلى مجده.. (وَاللّهُ غَالِبٌعَلَى أَمْرِهِ) .. ينفذ تدبيره رغم تدبير الآخرين. ينفذ من خلاله تدبيرالآخرين فيفسده ويتحقق وعد الله، وقد وعد الله يوسف بالنبوة.

    وهاهو ذا يلقي محبته على صاحبه الذي اشتراه.. وها هو ذا السيد يقول لزوجتهأكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا. وليس هذا السيد رجلا هينالشأن.. إنما هو رجل مهم.. رجل من الطبقة الحاكمة في مصر.. سنعلم بعد قليلأنه وزير من وزراء الملك. وزير خطير سماه القرآن "العزيز"، وكان قدماءالمصريين يطلقون الصفات كأسماء على الوزراء. فهذا العزيز.. وهذا العادل..وهذا القوي.. إلى آخره.. وأرجح الآراء أن العزيز هو رئيس وزراء مصر.

    وهكذامكن الله ليوسف في الأرض.. سيتربى كصبي في بيت رجل يحكم. وسيعلمه الله منتأويل الأحاديث والرؤى.. وسيحتاج إليه الملك في مصر يوما. (وَاللّهُغَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).تم هذا كله من خلال فتنة قاسية تعرض لها يوسف.

    ثم يبين لنا المولى عز وجل كرمه على يوسف فيقول:

    وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) (يوسف)

    كانيوسف أجمل رجل في عصره.. وكان نقاء أعماقه وصفاء سريرته يضفيان على وجههمزيدا من الجمال. وأوتي صحة الحكم على الأمور.. وأوتي علما بالحياةوأحوالها. وأوتي أسلوبا في الحوار يخضع قلب من يستمع إليه.. وأوتي نبلاوعفة، جعلاه شخصية إنسانية لا تقاوم.

    وأدرك سيده أن الله قد أكرمهبإرسال يوسف إليه.. اكتشف أن يوسف أكثر من رأى في حياته أمانة واستقامةوشهامة وكرما.. وجعله سيده مسئولا عن بيته وأكرمه وعامله كابنه.

    ويبدأ المشهد الأول من الفصل الثاني في حياته:

    فيهذا المشهد تبدأ محنة يوسف الثانية، وهي أشد وأعمق من المحنة الأولى.جاءته وقد أوتي صحة الحكم وأوتي العلم -رحمة من الله- ليواجهها وينجو منهاجزاء إحسانه الذي سجله الله له في قرآنه. يذكر الله تعالى هذه المحنة فيكتابه الكريم:

    وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَننَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَاللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُالظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنرَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَوَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) (يوسف)

    لايذكر السياق القرآني شيئا عن سنها وسنه، فلننظر في ذلك من باب التقدير.لقد أحضر يوسف صبيا من البئر، كانت هي زوجة في الثلاثة والعشرين مثلا،وكان هو في الثانية عشرا. بعد ثلاثة عشر عاما صارت هي في السادسةوالثلاثين ووصل عمره إلى الخامسة والعشرين. أغلب الظن أن الأمر كذلك. إنتصرف المرأة في الحادثة وما بعدها يشير إلى أنها مكتملة جريئة.

    والآن، لنتدبر معنا في كلمات هذه الآيات.

    (وَرَاوَدَتْهُ)صراحة (عَن نَّفْسِهِ )، وأغلقت (الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ). لنتفر مني هذه المرة. هذا يعني أنه كانت هناك مرات سابقة فر فيها منها. مراتسابقة لم تكن الدعوة فيها بهذه الصراحة وهذا التعري. فيبدوا أن امرأةالعزيز سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه.. فقررت أن تغيرخطتها. خرجت من التلميح إلى التصريح.. أغلقت الأبواب ومزقت أقنعة الحياءوصرحت بحبها وطالبته بنفسه.

    ثم يتجاوزز السياق القرآني الحوار الذيدار بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءهإما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها. لكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف -عليهالسلام- من هذا الإغواء.

    يقف هذا النبي الكريم في وجه سيدته قائلا(قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَيُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أعيذ نفسي بالله أن أفعل هذا مع زوجة من أكرمنيبأن نجاني من الجب وجعل في هذه الدار مثواي الطيب الآمن. ولا يفلحالظالمون الذين يتجاوزون حدود الله، فيرتكبون ما تدعينني اللحظة إليه.

    ثم(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَرَبِّهِ) اتفق المفسرون حول همها بالمعصية، واختلفوا حول همه. فمنهم منأخذ بالإسرائيليات وذكر أن يعقوب ظهر له، أو جبريل نزل إليه، لكن التلفيقوالاختلاق ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية. ومن قائل: إنها همت به تقصدالمعصية وهم بها يقصد المعصية ولم يفعل، ومن قائل: إنها همت به لتقبله وهمبها ليضربها، ومن قائل: إن هذا الهم كان بينهما قبل الحادث. كان حركةنفسية داخل نفس يوسف في السن التي اجتاز فيها فترة المراهقة. ثم صرف اللهعنه. وأفضل تفسير تطمئن إليه نفسي أن هناك تقديما وتأخيرا في الآية.

    قالأبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة، فلما أتيت على قوله تعالىSadوَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا). قال أبو عبيدة: هذا على التقديموالتأخير. بمعنى ولقد همت به.. ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. يستقيمهذا التفسير مع عصمة الأنبياء.. كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقهمباشرة (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْعِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وهذه الآية التي تثبت أن يوسف من عباد اللهالمخلصين، تقطع في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان. قال تعالى لإبليسيوم الخلق (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وما داميوسف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه. لا يعني هذا أن يوسفكان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه كان في نقاء الملائكة وعدماحتفالهم بالحس. إنما يعني أنه تعرض لإغراء طويل قاومه فلم تمل نفسه يوما،ثم أسكنها تقواها كونه مطلعا على برهان ربه، عارفا أنه يوسف بن يعقوبالنبي، ابن إسحق النبي، ابن إبراهيم جد الأنبياء وخليل الرحمن.

    يبدوأن يوسف -عليه السلام- آثر الانصراف متجها إلى الباب حتى لا يتطور الأمرأكثر. لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه، تدفهعا الشهوة لذلك. فأمسكت قميصهمن الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة. فتح الباب زوجها -العزيز.وهنا تتبدى المرأة المكتملة، فتجد الجواب حاضرا على السؤال البديهي الذييطرح الموقف. فتقول متهمة الفتى: قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَبِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

    واقترحتهذه المراة -العاشقة- سريعا العقاب -المأمون- الواجب تنفيذه على يوسف،خشية أن يفتك به العزيز من شدة غضبه. بيّنت للعزيز أن أفضل عقاب له هوالسجن. بعد هذا الاتهام الباطل والحكم السريع جهر يوسف بالحقيقة ليدافع عننفسه: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي

    تجاوز السياق القرآني رد الزوج، لكنه بين كيفية تبرأة يوسف -عليه السلام- من هذه التهمة الباطلة:

    وَشَهِدَشَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْوَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍفَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّمِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)(يوسف)

    لا نعلم إن كان الشاهد مرافقا للزوج منذ البداية، أم أنالعزيز استدعاه بعد الحادثة ليأخذ برأيه.. كما أشارت بعض الروايات أن هذاالشاهد رجل كبير، بينما أخبرت روايات أخرى أنه طفل رضيع. كل هذا جائز. وهولا يغير من الأمر شيئا. ما يذكره القرآن أن الشاهد أمرهم بالنظر للقميص،فإن كان ممزقا من الأمام فذلك من أثر مدافعتها له وهو يريد الاعتداء عليهافهي صادقة وهو كاذب. وإن كان قميصه ممزقا من الخلف فهو إذن من أثر تملصهمنها وتعقبها هي له حتى الباب، فهي كاذبة وهو صادق.

    فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) (يوسف)

    فتأكدالزوج من خيانة زوجته عندما رأى قميص يوسف ممزق من الخلف. لكن الدم لم يثرفي عروقه ولم يصرخ ولم يغضب. فرضت عليه قيم الطبقة الراقية التي وقع فيهاالحادث أن يواجه الموقف بلباقة وتلطف.. نسب ما فعلته إلى كيد النساءعموما. وصرح بأن كيد النساء عموم عظيم. وهكذا سيق الأمر كما لو كان ثناءيساق. ولا نحسب أنه يسوء المرأة أن يقال لها: (إِنَّ كَيْدَكُنَّعَظِيمٌ). فهو دلالة على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى علىالكيد. بعدها التفت الزوج إلى يوسف قائلا له: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْهَـذَا) أهمل هذا الموضوع ولا تعره اهتماما ولا تتحدث به. هذا هو المهم..المحافظة على الظواهر.. ثم يوجه عظة -مختصرة- للمرأة التي ضبطت متلبسةبمراودة فتاها عن نفسها وتمزيق قميصه: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِكُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ).

    انتهى الحادث الأول.. لكن الفتنة لمتنته.. فلم يفصل سيد البيت بين المرأة وفتاها.. كل ما طلبه هو إغلاقالحديث في هذا الموضوع. غير أن هذا الموضوع بالذات. وهذا الأمر يصعبتحقيقه في قصر يمتلئ بالخدم والخادمات والمستشارين والوصيفات.
    __________________
    المشهد الثاني:
    بدأالموضوع ينتشر.. خرج من القصر إلى قصور الطبقة الراقية يومها.. ووجدت فيهنساء هذه الطبقة مادة شهية للحديث. إن خلو حياة هذه الطبقات من المعنى،وانصرافها إلى اللهو، يخلعان أهمية قصوى على الفضائح التي ترتبط بشخصياتشهيرة.. وزاد حديث المدينة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُالْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّاإِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) وانتقل الخبر من فم إلى فم.. ومنبيت إلى بيت.. حتى وصل لامرأة العزيز.
    المشهد الثالث:
    فَلَمَّاسَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّمُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِاخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَأَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَاإِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِيفِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْيَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ(32) (يوسف)
    عندما سمعت امرأة العزيز بما تتناقله نساء الطبقة العلياعنها، قررت أن تعد مأدبة كبيرة في القصر. وأعدت الوسائد حتى يتكئ عليهاالمدعوات. واختارت ألوان الطعام والشراب وأمرت أن توضع السكاكين الحادةإلى جوار الطعام المقدم. ووجهت الدعوة لكل من تحدثت عنها. وبينما هنمنشغلات بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة، فاجأتهن بيوسف: وَقَالَتِ اخْرُجْعَلَيْهِنَّ فَلَمَّا
    (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) بهتنلطلعته، ودهشن. (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) وجرحن أيديهن بالسكاكينللدهشة المفاجئة. (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ) وهي كلمة تنزيه تقال في هذاالموضع تعبيرا عن الدهشة بصنع الله.. (مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَاإِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) يتضح من هذه التعبيرات أن شيئا من ديانات التوحيدتسربت لأهل ذلك الزمان.
    ورأت المرأة أنها انتصرت على نساء طبقتها،وأنهن لقين من طلعة يوسف الدهش والإعجاب والذهول. فقالت قولة المرأةالمنتصرة، التي لا تستحي أمام النساء من بنات جنسها وطبقتها، والتي تفتخرعليهن بأن هذا متناول يدها؛ وإن كان قد استعصم في المرة الأولى فهي ستحاولالمرة تلو الأخرى إلى أن يلين: انظرن ماذا لقيتن منه من البهر والدهشوالإعجاب! لقد بهرني مثلكن فراودته عن نفسه لكنه استعصم، وإن لم يطعنيسآمر بسجنه لأذلّه.
    إنها لم ترى بأسا من الجهر بنزواتها الأنثوية أمانساء طبقتها. فقالتها بكل إصرار وتبجح، قالتها مبيّنة أن الإغراء الجديدتحت التهديد.
    واندفع النسوة كلهم إليه يراودنه عن نفسه.. كل منهنأرادته لنفسها.. ويدلنا على ذلك أمران. الدليل الأول هو قول يوسف عليهالسلام (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)فلم يقل (ما تدعوني إليه).. والأمر الآخر هو سؤال الملك لهم فيما بعد(قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ).
    أمامهذه الدعوات -سواء كانت بالقول أم بالحركات واللفتات- استنجد يوسف بربهليصرف عنه محاولاتهن لإيقاعه في حبائلهن، خيفة أن يضعف في لحظة أمامالإغراء الدائم، فيقع فيما يخشاه على نفسه. دعى يوسف الله دعاء الإنسانالعارف ببشريته، الذي لا يغتر بعصمته؛ فيريد مزيدا من عناية الله وحياطته،ويعاونه على ما يعترضه من فتة وكيد وإغراء. (قَالَ رَبِّ السِّجْنُأَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّيكَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) واستجاب لهالله.. وصرف عنه كيد النسوة.
    وهذا الصرف قد يكون بإدخال اليأس فينفوسهن من استجابته لهن، بعد هذه التجربة؛ أو بزيادة انصرافه عن الإغراءحتى ما يحس في نفسه أثرا منه. أو بهما جميعا. وهكذا اجتاز يوسف المحنةالثانية بلطف الله ورعايته، فهو الذي سمع الكيد ويسمع الدعاء، ويعلم ماوراء الكيد وما وراء الدعاء.
    ما انتهت المحنة الثانية إلا لتبدأ الثالثة.. لكن هذه الثالثة هي آخر محن الشدة.
    ==========
    يسجن يوسف عليه السلام والفصل الثالث من حياته:
    ربماكان دخوله للسجن بسبب انتشار قصته مع امرأة العزيز ونساء طبقتها، فلم يجدأصحاب هذه البيوت طريقة لإسكات هذه الألسنة سوى سجن هذا الفتى الذي دلت كلالآيات على برائته، لتنسى القصة. قال تعالى في سورة (يوسف):
    ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) (يوسف)
    وهكذا ترسم الآية الموجزة جو هذا العصر بأكمله.. جو الفساد الداخلي في القصور، جو الأوساط الأرستقراطية.. وجو الحكم المطلق.
    إنحلول المشكلات في الحكم المطلق هي السجن.. وليس هذا بغريب على من يعبدآلهة متعددة. كانوا على عبادة غير الله.. ولقد رأينا من قبل كيف تضيعحريات الناس حين ينصرفون عن عبادة الله إلى عبادة غيره. وها نحن أولاء نرىفي قصة يوسف شاهدا حيا يصيب حتى الأنبياء. صدر قرارا باعتقاله وأدخلالسجن. بلا قضية ولا محاكمة، ببساطة ويسر.. لا يصعب في مجتمع تحكمه آلهةمتعددة أن يسجن بريء. بل لعل الصعوبة تكمن في محاولة شيء غير ذلك.
    دخليوسف السجن ثابت القلب هادئ الأعصاب أقرب إلى الفرح لأنه نجا من إلحاحزوجة العزيز ورفيقاتها، وثرثرة وتطفلات الخدم. كان السجن بالنسبة إليهمكانا هادئا يخلو فيه ويفكر في ربه.
    ويبين لنا القرآن الكريم المشهد الأول من هذا الفصل:
    يختصرالسياق القرآني ما كان من أمر يوسف في السجن.. لكن الواضح أن يوسف -عليهالسلام- انتهز فرصة وجوده في السجن، ليقوم بالدعوة إلى الله. مما جعلالسجناء يتوسمون فيه الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك.
    انتهزيوسف -عليه السلام- هذه الفرصة ليحدث الناس عن رحمة الخالق وعظمته وحبهلمخلوقاته، كان يسأل الناس: أيهما أفضل.. أن ينهزم العقل ويعبد أربابامتفرقين.. أم ينتصر العقل ويعبد رب الكون العظيم؟ وكان يقيم عليهم الحجةبتساؤلاته الهادئة وحواره الذكي وصفاء ذهنه، ونقاء دعوته.
    وفي أحدالأيام، قَدِمَ له سجينان يسألانه تفسير أحلامهما، بعد أن توسما في وجههالخير. إن أول ما قام به يوسف -عليه السلام- هو طمأنتهما أنه سيؤول لهمالرؤى، لأن ربه علمه علما خاصا، جزاء على تجرده هو وآباؤه من قبله لعبادتهوحده، وتخلصه من عبادة الشركاء.. وبذلك يكسب ثقتهما منذ اللحظة الأولىبقدرته على تأويل رؤياهما، كما يكسب ثقتهما كذلك لدينه. ثم بدأ بدعوتهماإلى التوحيد، وتبيان ما هم عليه من الظلال. قام بكل هذا برفق ولطف ليدخلإلى النفوس بلا مقاومة.
    بعد ذلك فسر لهما الرؤى. بيّن لهما أن أحدهاسيصلب، والآخر سينجو، وسيعمل في قصر الملك. لكنه لم يحدد من هو صاحبالبشرى ومن هو صاحب المصير السيئ تلطفا وتحرجا من المواجهة بالشر والسوء.وتروي بعض التفاسير أن هؤلاء الرجلين كانا يعملان في القصر، أحدهما طباخا،والآخر يسقي الناس، وقد اتهما بمحاولة تسميم الملك.
    أوصى يوسف من سينجومنهما أن يذكر حاله عن الملك. لكن الرجل لم ينفذ الوصية. فربما ألهته حياةالقصر المزدحمة يوسف وأمره. فلبث في السجن بضع سنين. أراد الله بهذا أنيعلم يوسف -عليه السلام- درسا.
    فقد ورد في إحدى الرويات أنه جاءه جبريلقال: يا يوسف من نجّاك من إخوتك؟ قال: الله. قال: من أنقذك من الجب؟ قال:الله. قال: من حررك بعد أن صرت عبدا؟ قال: الله. قال: من عصمك من النساء؟قال: الله. قال: فعلام تطلب النجاة من غيره؟
    وقد يكون هذا الأمر زيادة في كرم الله عليه واصطفاءه له، فلم يجعل قضاء حاجته على يد عبد ولا سبب يرتبط بعبد.
    المشهد الثاني:
    في هذا المشهد تبدأ نقطة التحول.. التحول من محن الشدة إلى محن الرخاء.. من محنة العبودية والرق لمحنة السلطة والملك.
    فيقصر الحكم.. وفي مجلس الملك: يحكي الملك لحاشيته رؤياه طالبا منهم تفسيرالها. (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍيَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَيَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْلِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) لكن المستشارين والكهنة لم يقوموا بالتفسير.ربما لأنهم لم يعرفوا تفسيرها، أو أنهم أحسوا أنها رؤيا سوء فخشوا أنيفسروها للملك، وأرادوا أن يأتي التفسير من خارج الحاشية -التي تعودت علىقول كل ما يسر الملك فقط. وعللوا عدم التفسير بأن قالوا للملك أنها أجزاءمن أحلام مختلطة ببعضها البعض، ليست رؤيا كاملة يمكن تأويلها.
    __________________

    المشهد الثالث:
    وصلالخبر إلى الساقي -الذي نجا من السجن.. تداعت أفكاره وذكره حلم الملكبحلمه الذي رآه في السجن، وذكره السجن بتأويل يوسف لحلمه. وأسرع إلى الملكوحدثه عن يوسف. قال له: إن يوسف هو الوحيد الذي يستطيع تفسير رؤياك.

    وأرسلالملك ساقيه إلى السجن ليسأل يوسف. ويبين لنا الحق سبحانه كيف نقل الساقيرؤيا الملك ليوسف بتعبيرات الملك نفسها، لأنه هنا بصدد تفسير حلم، وهويريد أن يكون التفسير مطابقا تماما لما رءاه الملك. وكان الساقي يسمي يوسفبالصديق، أي الصادق الكثير الصدق.. وهذا ما جربه من شأنه من قبل.

    جاءالوقت واحتاج الملك إلى رأي يوسف.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِوَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). سُئِلَ يوسف عن تفسير حلمالملك.. فلم يشترط خروجه من السجن مقابل تفسيره. لم يساوم ولم يتردد ولميقل شيئا غير تفسير الرؤيا.. هكذا ببراءة النبي حين يلجأ إليه الناسفيغيثهم.. وإن كان هؤلاء أنفسهم سجانيه وجلاديه.

    لم يقم يسوف -عليهالسلام- بالتفسير المباشر المجرد للرؤيا. وإنما قدم مع التفسير النصحوطريقة مواجهة المصاعب التي ستمر بها مصر. أفهم يوسف رسول الملك أن مصرستمر عليها سبع سنوات مخصبة تجود فيها الأرض بالغلات. وعلى المصريين ألايسرفوا في هذه السنوات السبع. لأن وراءها سبع سنوات مجدبة ستأكل ما يخزنهالمصريون، وأفضل خزن للغلال أن تترك في سنابلها كي لا تفسد أو يصيبهاالسوس أو يؤثر عليها الجو.

    بهذا انتهى حلم الملك.. وزاد يوسفتأويله لحلم الملك بالحديث عن عام لم يحلم به الملك، عام من الرخاء. عاميغاث فيه الناس بالزرع والماء، وتنمو كرومهم فيعصرون خمرا، وينمو سمسمهموزيتونهم فيعصرون زيتا. كان هذا العام الذي لا يقابله رمز في حلم الملك.علما خاصا أوتيه يوسف. فبشر به الساقي ليبشر به الملك والناس.

    المشهد الرابع:
    عادالساقي إلى الملك. أخبره بما قال يوسف، دهش الملك دهشة شديدة. ما هذاالسجين..؟ إنه يتنبأ لهم بما سيقع، ويوجههم لعلاجه.. دون أن ينتظر أجرا أوجزاء. أو يشترط خروجا أو مكافأة. فأصدر الملك أمره بإخراج يوسف من السجنوإحضاره فورا إليه. ذهب رسول الملك إلى السجن. ولا نعرف إن كان هو الساقيالذي جاءه أول مرة. أم أنه شخصية رفيعة مكلفة بهذه الشؤون. ذهب إليه فيسجنه. رجا منه أن يخرج للقاء الملك.. فهو يطلبه على عجل. رفض يوسف أن يخرجمن السجن إلا إذا ثبتت براءته. لقد رباه ربه وأدبه. ولقد سكبت هذه التربيةوهذا الأدب في قلبه السكينة والثقة والطمأنينة. ويظهر أثر التربية واضحافي الفارق بين الموقفين: الموقف الذي يقول يوسف فيه للفتى: اذكرني عندربك، والموقف الذي يقول فيه: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الاتيقطعن أيدهن، الفارق بين الموقفين كبير.

    المشهد الخامس:
    تجاوزالسياق القرآني عما حدث بين الملك ورسوله، وردة فعل الملك. ليقف بنا أمامالمحاكة. وسؤال الملك لنساء الطبقة العليا عما فعلنه مع يوسف. يبدوا أنالملك سأل عن القصة ليكون على بينة من الظروف قبل أن يبدأ التحقيق، لذلكجاء سؤاله دقيقا للنساء. فاعترف النساء بالحقيقة التي يصعب إنكارها(قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ).

    وهناتتقدم المرأة المحبة ليوسف، التي يئست منه، ولكنها لا تستطيع أن تخلص منتعلقها به.. تتقدم لتقول كل شيء بصراحة. يصور السياق القرآني لنا اعترافامرأة العزيز، بألفاظ موحية، تشي بما وراءها من انفعالات ومشاعر عميقة(أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) شهادةكاملة بإثمها هي، وبراءته ونظافته وصدقه هو. شهادة لا يدفع إليها خوف أوخشية أو أي اعتبار آخر.. يشي السياق القرآني بحافز أعمق من هذا كله. حرصهاعلى أن يحترمها الرجل الذي أهان كبرياءها الأنثوية، ولم يعبأ بفتنتهاالجسدية. ومحاولة يائسة لتصحيح صورتها في ذهنه. لا تريده أن يستمر علىتعاليه واحتقاره لها كخاطئة. تريد أن تصحح فكرته عنها: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَأَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ). لست بهذا السوء الذي يتصوره فيني. ثمتمضي في هذه المحاولة والعودة إلى الفضيلة التي يحبها يوسف ويقدرها(وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ). وتمضي خطوة أخرى فيهذه المشاعر الطيبة (وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَلأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌرَّحِيمٌ).

    إن تأمل الآيات يوحي بأن امرأة العزيز قد تحولت إلىدين يوسف. تحولت إلى التوحيد. إن سجن يوسف كان نقلة هائلة في حياتها. آمنتبربه واعتنقت ديانته.

    ويصدر الأمر الملكي بالإفراج عنه وإحضاره.

    يهملالسياق القرآني بعد ذلك قصة امرأة العزيز تماما، يسقطها من المشاهد، فلانعرف ماذا كان من أمرها بعد شهادتها الجريئة التي أعلنت فيها ضمنا إيمانهابدين يوسف.

    وقد لعبت الأساطير دورها في قصة المرأة.. قيل: إن زوجهامات وتزوجت من يوسف، فاكتشف أنها عذراء، واعترفت له أن زوجها كان شيخا لايقرب النساء.. وقيل: إن بصرها ضاع بسبب استمرارها في البكاء على يوسف،خرجت من قصرها وتاهت في طرقات المدينة، فلما صار يوسف كبيرا للوزراء، ومضىموكبه يوما هتفت به امرأة ضريرة تتكفف الناس: سبحان من جعل الملوك عبيدابالمعصية، وجعل العبيد ملوكا بالطاعة.

    سأل يوسف: صوت من هذا؟ قيل له: امرأة العزيز. انحدر حالها بعد عز. واستدعاها يوسف وسألها: هل تجدين في نفسك من حبك لي شيئا؟

    قالت:نظرة إلى وجهك أحب إلي من الدنيا يا يوسف.. ناولني نهاية سوطك. فناولها.فوضعته على صدرها، فوجد السوط يهتز في يده اضطرابا وارتعاشا من خفقانقلبها.

    وقيلت أساطير أخرى، يبدو فيها أثر المخيلة الشعبية وهي تنسجقمة الدراما بانهيار العاشقة إلى الحضيض.. غير أن السياق القرآني تجاوزتماما نهاية المرأة.

    أغفلها من سياق القصة، بعد أن شهدت ليوسف..وهذا يخدم الغرض الديني في القصة، فالقصة أساسا قصة يوسف وليست قصةالمرأة.. وهذا أيضا يخدم الغرض الفني.. لقد ظهرت المرأة ثم اختفت في الوقتالمناسب.. اختفت في قمة مأساتها.. وشاب اختفاءها غموض فني معجز.. ولربمابقيت في الذاكرة باختفائها هذا زمنا أطول مما كانت تقضيه لو عرفنا بقيةقصتها.
    __________________

    ويبدأ فصل جديد من فصول حياة يوسف عليه السلام:


    بعدما رأى الملك من أمر يوسف. براءته، وعلمه، وعدم تهافته على الملك. عرف أنهأمام رجل كريم، فلم يطلبه ليشكره أو يثني عليه، وإنما طلبه ليكون مستشاره.وعندما جلس معه وكلمه، تحقق له صدق ما توسمه فيه. فطمئنه على أنه ذو مكانهوفي أمان عنده. فماذا قال يوسف؟

    لم يغرق الملك شكرا، ولم يقل له:عشت يا مولاي وأنا عبدك الخاضع أو خادمك الأمين، كما يفعل المتملقونللطواغيت؛ كلا إنما طالب بما يعتقد أنه قادر على أن ينهض به من الأعباء فيالازمة القادمة.

    كما وأورد القرطبي في تفسيره. أن الملك قال فيما قاله: لو جمعت أهل مصر ما أطاقوا هذا الأمر.. ولم يكونوا فيه أمناء.

    كان الملك يقصد الطبقة الحاكمة وما حولها من طبقات.. إن العثور على الأمانة في الطبقة المترفة شديد الصعوبة.

    اعترافالملك ليوسف بهذه الحقيقة زاد من عزمه على تولي هذا الامر، لأنقاذ مصر وماحولها من البلاد من هذه المجاعة.. قال يوسف: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِالأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ). لم يكن يوسف في كلمته يقصد النفع أوالاستفادة. على العكس من ذلك. كان يحتمل أمانة إطعام شعوب جائعة لمدة سبعسنوات.. شعوب يمكن أن تمزق حكامها لو جاعت.. كان الموضوع في حقيقته تضحيةمن يوسف.

    لا يثبت السياق القرآني أن الملك وافق.. فكأنما يقولالقرآن الكريم إن الطلب تضمن الموافقة.. زيادة في تكريم يوسف، وإظهارمكانته عند الملك.. يكفي أن يقول ليجاب.. بل ليكون قوله هو الجواب، ومن ثميحذف رد الملك.. ويفهمنا شريط الصور المعروضة أن يوسف قد صار في المكانالذي اقترحه.

    وهكذا مكن الله ليوسف في الأرض.. صار مسؤولا عن خزائنمصر واقتصادها.. صار كبيرا للوزراء.. وجاء في رواية أن الملك قال ليوسف:يا يوسف ليس لي من الحكم إلا الكرسي.. ولا ينبئنا السياق القرآني كيف تصرفيوسف في مصر.. نعرف أنه حكيم عليم.. نعرف أنه أمين وصادق.. لا خوف إذا علىاقتصاد مصر.

    المشهد الثاني من هذا الفصل:
    دارت عجلة الزمن.. طوىالسياق دورتها، ومر مرورا سريعا على سنوات الرخاء، وجاءت سنوات المجاعة..وهنا يغفل السياق القرآني بعد ذلك ذكر الملك والوزراء في السورة كلها..كأن الأمر كله قد صار ليوسف. الذي اضطلع بالعبء في الأزمة الخانقةالرهيبة. وأبرز يوسف وحده على مسرح الحوادث, وسلط عليه كل الأضواء.

    أمافعل الجدب والمجاعة فقد أبرزه السياق في مشهد إخوة يوسف, يجيئون من البدومن أرض كنعان البعيدة يبحثون عن الطعام في مصر. ومن ذلك ندرك اتساع دائرةالمجاعة, كما كيف صارت مصر - بتدبير يوسف - محط أنظار جيرانها ومخزنالطعام في المنطقة كلها.

    لقد اجتاح الجدب والمجاعة أرض كنعان وماحولها. فاتجه إخوة يوسف - فيمن يتجهون - إلى مصر. وقد تسامع الناس بمافيها من فائض الغلة منذ السنوات السمان. فدخلوا على عزيز مصر, وهم لايعلمون أن أخاهم هو العزيز. إنه يعرفهم فهم لم يتغيروا كثيرا. أما يوسففإن خيالهم لا يتصور قط أنه العزيز! وأين الغلام العبراني الصغير الذيألقوه في الجب منذ عشرين عاما أو تزيد من عزيز مصر شبه المتوج في سنه وزيهوحرسه ومهابته وخدمه وحشمه وهيله وهيلمانه?

    ولم يكشف لهم يوسف عننفسه. فلا بد من دروس يتلقونها: (فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْوَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ). ولكنا ندرك من السياق أنه أنزلهم منزلا طيبا,ثم أخذ في إعداد الدرس الأول: ( وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ). فنفهم من هذا أنه تركهم يأنسونإليه, واستدرجهم حتى ذكروا له من هم على وجه التفصيل, وأن لهم أخا صغيرامن أبيهم لم يحضر معهم لأن أباه يحبه ولا يطيق فراقه. فلما جهزهم بحاجاتالرحلة قال لهم: إنه يريد أن يرى أخاهم هذا. (قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍلَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ). وقد رأيتم أنني أوفي الكيل للمشترين. فسأوفيكمنصيبكم حين يجيء معكم; ورأيتم أنني أكرم النزلاء فلا خوف عليه بل سيلقىمني الإكرام المعهود: (أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْخَيْرُ الْمُنزِلِينَ ).

    ولما كانوا يعلمون كيف يضن أبوهم بأخيهمالأصغر - وبخاصة بعد ذهاب يوسف - فقد أظهروا أن الأمر ليس ميسورا, وإنمافي طريقه عقبات من ممانعة أبيهم, وأنهم سيحاولون إقناعه, مع توكيد عزمهم -على الرغم من هذه العقبات - على إحضاره معهم حين يعودون: (قَالُواْسَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ). ولفظ (نراود) يصورالجهد الذي يعلمون أنهم باذلوه.

    أما يوسف فقد أمر غلمانه أن يدسواالبضاعة التي حضر بها إخوته ليستبدلوا بها القمح والعلف. وقد تكون خليطامن نقد ومن غلات صحراوية أخرى من غلات الشجر الصحراوي, ومن الجلود وسواهامما كان يستخدم في التبادل في الأسواق. أمر غلمانه بدسها في رحالهم -والرحل متاع المسافر - لعلهم يعرفون حين يرجعون أنها بضاعتهم التي جاءوابها.

    المشهد الثالث:
    ندع يوسف في مصر . لنشهد يعقوب وبنيه فيأرض كنعان. رجع الأخوة إلى أبيهم.. وقبل أن ينزلوا أحمال الجمال ويفكوامتاعهم، دخلوا على أبيهم. قائلين له بعتاب: إن لم ترسل معنا أخانا الصغيرفي المرة القادمة فلن يعطينا عزيز مصر الطعام. وختموا كلامهم بوعد جديدليعقوب عليه السلام (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

    ويبدوا أن هذا الوعد قد أثار كوامن يعقوب. فهو ذاته وعدهم له في يوسف! فإذا هو يجهز بما أثاره الوعد من شجونه:

    قَالَهَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنقَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)(يوسف)

    وفتح الأبناء أوعيتهم ليخرجوا ما فيها من غلال.. فإذا هميجدون فيها بضاعتهم التي ذهبوا يشترون بها.. مردودة إليهم مع الغلالوالطعام.. ورد الثمن يشير إلى عدم الرغبة في البيع، أو هو إنذار بذلك..وربما كان إحراجا لهم ليعودوا لسداد الثمن مرة أخرى.

    وأسرعالأبناء إلى أبيهم (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي) ..لم نكذب عليك..لقد رد إلينا الثمن الذي ذهبنا نشتري به. هذا معناه أنهم لن يبيعوا لناإلا إذا ذهب أخونا معنا.

    واستمر حوارهم مع الأب.. أفهموه أن حبهلابنه والتصاقه به يفسدان مصالحهم، ويؤثران على اقتصادهم، وهم يريدون أنيتزودوا أكثر، وسوف يحفظون أخاهم أشد الحفظ وأعظمه.. وانتهى الحوارباستسلام الأب لهم.. بشرط أن يعاهدوه على العودة بابنه، إلا إذا خرج الأمرمن أيديهم وأحيط بهم.. نصحهم الأب ألا يدخلوا -وهم أحد عشر رجلا- من بابواحد من أبواب بمصر.. كي لا يستلفتوا انتباه أحد.. وربما خشي عليهم أبوهمشيئا كالسرقة أو الحسد.. لا يقول لنا السياق القرآني ماذا كان الأب يخشى،ولو كان الكشف عن السبب مهما لقيل.
    __________________

    المشهد الرابع:
    عاد إخوة يوسف الأحد عشر هذه المرة.
    وَلَمَّادَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْأَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) (يوسف)
    يقفزالسياق قفزا إلى مشهد يوسف وهو يحتضن أخاه ويكشف له وحده سر قرابته، ولاريب أن هذا لم يحدث فور دخول الإخوة على يوسف، وإلا لانكشفت لهم قرابةيوسف، إنما وقع هذا في خفاء وتلطف، فلم يشعر إخوته، غير أن السياق المعجزيقفز إلى أول خاطر ساور يوسف عند دخولهم عليه ورؤيته لأخيه.. وهكذا يجعلهالقرآن أول عمل، لأنه أول خاطر، وهذه من دقائق التعبير في هذا الكتابالعظيم.
    يطوي السياق كذلك فترة الضيافة، وما دار فيها بين يوسف وإخوته،ويعرض مشهد الرحيل الأخير.. ها هو ذا يوسف يدبر شيئا لإخوته.. يريد أنيحتفظ بأخيه الصغير معه.
    يعلم أن احتفاظه بأخيه سيثير أحزان أبيه،وربما حركت الأحزان الجديدة أحزانه القديمة، وربما ذكره هذا الحادث بفقديوسف.. يعلم يوسف هذا كله.. وها هو ذا يرى أخاه.. وليس هناك دافع قاهرلاحتفاظه به، لماذا يفعل ما فعل ويحتفظ بأخيه هكذا!؟
    يكشف السياق عنالسر في ذلك.. إن يوسف يتصرف بوحي من الله.. يريد الله تعالى أن يصلبابتلائه ليعقوب إلى الذروة.. حتى إذا جاوز به منطقة الألم البشري المحتملوغير المحتمل، ورآه صابرا رد عليه ابنيه معا، ورد إليه بصره.
    أمر يوسف-عليه السلام- رجاله أن يخفوا كأس الملك الذهبية في متاع أخيه خلسة..وكانت الكأس تستخدم كمكيال للغلال.. وكانت لها قيمتها كمعيار في الوزن إلىجوار قيمتها كذهب خالص. أخفى الكأس في متاع أخيه.. وتهيأ إخوة يوسفللرحيل، ومعهم أخوهم.. ثم أغلقت أبواب العاصمة.. (ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌأَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)..!!
    كانت صرخة الجند تعنيوقوف القوافل جميعا.. وانطلق الاتهام فوق رؤوس الجميع كقضاء خفي غامض..أقبل الناس، وأقبل معهم إخوة يوسف..( مَّاذَا تَفْقِدُونَ)؟
    هكذا تسائلإخوة يوسف.. قال الجنود: (نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ).. ضاعت كأسهالذهبية.. ولمن يجيء بها مكافأة.. سنعطيه حمل بعير من الغلال.
    قال إخوة يوسف ببراءة: لم نأت لنفسد في الأرض ونسرق! قال الحراس (وكان يوسف قد وجههم لما يقولونه): أي جزاء تحبون توقيعه على السارق؟
    قال إخوة يوسف: في شريعتنا نعتبر من سرق عبدا لمن سرقه.
    قال الحارس: سنطبق عليكم قانونكم الخاص.. لن نطبق عليكم القانون المصري الذي يقضي بسجن السارق.
    كانتهذه الإجابة كيدا وتدبيرا من الله تعالى، ألهم يوسف أن يحدث بها ضباطه..ولولا هذا التدبير الإلهي لامتنع على يوسف أن يأخذ أخاه.. فقد كان دينالملك أو قانونه لا يقضي باسترقاق من سرق. وبدأ التفتيش.
    كان هذاالحوار على منظر ومسمع من يوسف، فأمر جنوده بالبدء بتفتيش رحال أخوته أولاقبل تفتيش رحل أخيه الصغير. كي لا يثير شبهة في نتيجة التفتيش.
    اطمأنإخوة يوسف إلى براءتهم من السرقة وتنفسوا الصعداء، فلم يبقى إلا أخوهمالصغير. وتم استخراج الكأس من رحله. فأمر يوسف بأخذ أخيه عبدا، قانونهمالذي طبقه القضاء على الحادث.
    أعقب ذلك مشهد عنيف المشاعر.. إن إحساسالإخوة براحة الإنقاذ والنجاة من التهمة، جعلهم يستديرون باللوم على شقيقيوسف (قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ) إنهميتنصلون من تهمة السرقة.. ويلقونها على هذا الفرع من أبناء يعقوب.
    سمعيوسف بأذنيه اتهامهم له، وأحس بحزن عميق.. كتم يوسف أحزانه في نفسه ولميظهر مشاعره.. قال بينه وبين نفسه(أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُأَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ). لم يكن هذا سبابا لهم، بقدر ما كان تقريراحكيما لقاعدة من قواعد الأمانة. أراد أن يقول بينه وبين نفسه: إنكم بهذاالقذف شر مكانا عند الله من المقذوف، لأنكم تقذفون بريئين بتهمة السرقة..والله أعلم بحقيقة ما تقولون.
    سقط الصمت بعد تعليق الإخوة الأخير.. ثمانمحى إحساسهم بالنجاة، وتذكروا يعقوب.. لقد أخذ عليهم عهدا غليظا، ألايفرطوا في ابنه. وبدءوا استرحام يوسف: يوسف أيها العزيز.. يوسف أيهاالملك.. إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُإِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
    قال يوسف بهدوء: كيف تريدون أن نترك من وجدنا كأس الملك عنده.. ونأخذ بدلا منه أنسانا آخر..؟ هذا ظلم.. ونحن لا نظلم.
    كانت هي الكلمة الأخيرة في الموقف. وعرفوا أن لا جدوى بعدها من الرجاء، فانسحبوا يفكرون في موقفهم المحرج أمام أبيهم حين يرجعون.
    المشهد الخامس:
    عقدوامجلسا يتشاورون فيه. لكن السياق القرآني لا يذكر أقوالهم جميعا. إنما يثبتآخرها الذي يكشف عما انتهوا إليه. ذكر القرآن قول كبيرهم إذ ذكّرهمبالموثق المأخوذ عليهم، كما ذكرهم بتفريطهم في يوسف من قبل. ثم يبين قرارهالجازم: ألا يبرح مصر، وألا يواجه أباه، إلا أن يأذن أبوه، أو يقضي اللهله بحكم، فيخض له وينصاع. وطلب منهم أن يرجعوا إلى أبيهم فيخبروه صراحةبأن ابنه سرق، فَاُخِذَ بما سرق. ذلك ما علموه شهدوا به. أما إن كانبريئا، وكا هناك أمر وراء هذا الظاهر لا يعلمونه، فهم غير موكلين بالغيب.وإن كان في شك من قولهم فليسأل أهل القرية التي كانوا فيها -أي أهل مصر-وليسأل القافلة التي كانوا فيها، فهم لم يكونوا وحدهم، فالقوافل الكثيرةكانت ترد مصر لتأخذ الطعام.
    المشهد السادس:
    فعل الأبناء ما أمرهم بهأخوهم الكبير، وحكوا ليعقوب -عليه السلام- ما حدث. استمع يعقوب إليهم وقالبحزن صابر، وعين دامعة: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًافَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
    (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْأَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) كلمته ذاتها يوم فقد يوسف.. لكنه في هذه المرةيضيف إليها الأمل أن يرد الله عليه يوسف وأخاه فيرد ابنه الآخر المتخلفهناك.
    هذا الشعاع من أين جاء إلى قلب هذا الرجل الشيخ؟ إنه الرجاء فيالله، والاتصال الوثيق به، والشعور بوجوده ورحمته. وهو مؤمن بأن الله يعلمحاله، ويعلم ما وراء هذه الأحداث والامتحانات. ويأتي بكل أمر في وقتهالمناسب، عندما تتحق حكمته في ترتيب الأسباب والنتائج.
    (وَتَوَلَّىعَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَالْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) وهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع. يحس أنه منفردبهمه، وحيد بمصابه، لا تشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه، فينفرد فيمعزل، يندب فجيعته في ولده الحبيب يوسف. الذي لم ينسه، ولم تهوّن منمصيبته السنون، والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغر فتغلبه علىصبره الجميل. أسلمه البكاء الطويل إلى فقد بصره.. أو ما يشبه فقد بصره.فصارت أمام عينيه غشاوة بسبب البكاء لا يمكن أن يرى بسببها. والكظيم هوالحزين الذي لا يظهر حزنه. ولم يكن يعقوب -عليه السلام- يبكي أمام أحد..كان بكاؤه شكوى إلى الله لا يعلمها إلا الله.
    ثم لاحظ أبناؤه أنه لم يعد يبصر ورجحوا أنه يبكي على يوسف، وهاجموه في مشاعره الإنسانية كأب.. حذروه بأنه سيهلك نفسه:
    قَالُواْتَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَمِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَىاللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (86) (يوسف)
    ردهمجواب يعقوب إلى حقيقة بكائه.. إنه يشكو همه إلى الله.. ويعلم من الله مالا يعلمون.. فليتركوه في بكائه وليصرفوا همهم لشيء أجدى عليهم (يَابَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَتَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِإِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) إنه يكشف لهم في عمق أحزانه عن أمله فيروح الله.. إنه يشعر بأن يوسف لم يمت كما أنبئوه.. لم يزل حيا، فليذهبالإخوة بحثا عنه.. وليكن دليلهم في البحث، هذا الأمل العميق في الله.
    =======

    المشهد السابع:
    تحركتالقافلة في طريقها إلى مصر.. إخوة يوسف في طريقهم إلى العزيز.. تدهورحالهم الاقتصادي وحالهم النفسي.. إن فقرهم وحزن أبيهم ومحاصرة المتاعبلهم، قد هدت قواهم تماما.. ها هم أولاء يدخلون على يوسف.. معهم بضاعةرديئة.. جاءوا بثمن لا يتيح لهم شراء شيء ذي بال.. وعندما دخلوا على يوسف- عليه السلام- رجوه أن يتصدق عليهم (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِقَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّوَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْعَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) انتهى الأمر بهم إلىالتسول.. إنهم يسألونه أن يتصدق عليهم.. ويستميلون قلبه، بتذكيره أن اللهيجزي المتصدقين.

    عندئذ.. وسط هوانهم وانحدار حالهم.. حدثهم يوسف بلغتهم، بغير واسطة ولا مترجم:

    قَالَهَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْجَاهِلُونَ (89) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُوَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِوَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّالَخَاطِئِينَ (91) (يوسف)

    يكاد الحوار يتحرك بأدق تعبير عن مشاعرهمالداخلية.. فاجأهم عزيز مصر بسؤالهم عما فعلوه بيوسف.. كان يتحدث بلغتهمفأدركوا أنه يوسف.. وراح الحوار يمضي فيكشف لهم خطيئتهم معه.. لقد كادواله وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ

    مرت السنوات، وذهب كيدهمله.. ونفذ تدبير الله المحكم الذي يقع بأعجب الأسباب.. كان إلقاؤه فيالبئر هو بداية صعوده إلى السلطة والحكم.. وكان إبعادهم له عن أبيه سببافي زيادة حب يعقوب له. وها هو ذا يملك رقابهم وحياتهم، وهم يقفون في موقفاستجداء عطفه.. إنهم يختمون حوارهم معه بقولهم (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْآثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ) إن روح الكلماتواعترافهم بالخطأ يشيان بخوف مبهم غامض يجتاح نفوسهم.. ولعلهم فكروا فيانتقامه منهم وارتعدت فرائصهم.. ولعل يوسف أحس ذلك منهم فطمأنهم بقوله(قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لا مؤاخذة، ولا لوم، انتهى الأمر من نفسي وذابتجذوره.. لم يقل لهم إنني أسامحكم أو أغفر لكم، إنما دعا الله أن يغفر لهم،وهذا يتضمن أنه عفا عنهم وتجاوز عفوه، ومضى بعد ذلك خطوات.. دعا الله أنيغفر لهم.. وهو نبي ودعوته مستجابة.. وذلك تسامح نراه آية الآيات فيالتسامح.

    ها هو ذا يوسف ينهي حواره معهم بنقلة مفاجئة لأبيه.. يعلمأن أباه قد ابيضت عيناه من الحزن عليه.. يعلم أنه لم يعد يبصر.. لم يدرالحوار حول أبيه لكنه يعلم.. يحس قلبه.. خلع يوسف قميصه وأعطاه لهم(اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِبَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ). وعادت القافلة إلىفلسطين.

    المشهد الثامن:
    ما أنت خرجت القافلة من مصر، حتى قاليعقوب -عليه السلام- لمن حوله في فلسطين: إني أشم رائحة يوسف، لولا أنكمتقولون في أنفسكم أنني شيخ خرِف لصدقتم ما أقول. فرد عليه من حوله ().

    لكنالمفاجأة البعيدة تقع. وصلت القافلة، وألقى البشير قميض يوسف على وجهيعقوب -عليهما السلام- فارتدّ بصره. هنا يذكر يعقوب حقيقة ما يعلمه من ربه(قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَتَعْلَمُونَ).

    فاععترف الأخوة بخطئهم، وطلبوا من أباهم الاستغفارلهم، فهو نبي ودعاءه مستجاب. إلا أن يعقوب عليه السلام (قَالَ سَوْفَأَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ونلمحهنا أن في قلب يعقوب شيئا من بنيه، وأنه لم يصف لهم بعد، وإن كان يعدهمباستغفار الله لهم بعد أن يصفو ويسكن ويستريح.

    ها هو المشهد الأخير في قصة يوسف:
    بدأت قصته برؤيا.. وها هو ذا الختام، تأويل رؤياه:

    فَلَمَّادَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْمِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَىالْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُرُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَيإِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِأَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌلِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) (يوسف)

    تأملالآن مشاعره ورؤياه تتحقق.. إنه يدعو ربه (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَالْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِتَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).. هي دعوة واحدة..تَوَفَّنِي مُسْلِمًا

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-03-19, 09:49